للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَرْمَانِيُّ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: رَجُلٌ دَفَعَ أَرْضَهُ إلَى الْإِكْرَاءِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ وَالْحَدِيدُ مِنْ الْأَكَّارِ، فَذَهَبَ فِيهِ مَذْهَبَ الْمُضَارَبَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَذْرَ هُوَ أَصْلُ الزَّرْعِ، كَمَا أَنَّ الْمَالَ هُوَ أَصْلُ الرِّبْحِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِمَّنْ لَهُ الْأَصْلُ لِيَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلُ وَمِنْ الْآخَرِ الْأَصْلُ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ، وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِهِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ نَصًّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ؛ كَمَا عَامَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى: إذَا دَفَعَ أَرْضَهُ لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا بِبَذْرِهِ بِجُزْءٍ مِنْ الزَّرْعِ لِلْمَالِكِ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُزَارَعَةِ لَمْ يَجُزْ.

وَجَعَلُوا هَذَا التَّفْرِيقَ تَقْرِيرًا لِنُصُوصِهِ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا عَامَّةَ نُصُوصِهِ صَرَائِحَ كَثِيرَةً جِدًّا فِي جَوَازِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ مِنْهَا، وَرَأَوْا أَنَّ مَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ عِنْدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ، كَالْمُضَارَبَةِ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ بَابِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَبَابِ الْإِجَارَةِ وَقَالَ آخَرُونَ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَرَادَ بِهِ الْمُزَارَعَةَ وَالْعَمَلَ مِنْ الْأَكَّارِ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَمُتَّبِعُوهُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ بِمَا شُرِطَ لَهُ، فَقَالُوا فَعَلَى هَذَا مَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ الْبَذْرِ يَسْتَحِقُّهُ بِبَذْرِهِ، وَمَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ يَأْخُذُهُ بِالشَّرْطِ.

وَمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَنَّ نَصَّهُ عَلَى الْمُكَارَاةِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ هُوَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى أَنْ يَبْذُرَ الْأَكَّارُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْفِقْهُ إلَّا هَذَا، أَوْ أَنْ يَكُونَ نَصُّهُ عَلَى جَوَازِ الْمُؤَاجَرَةِ الْمَذْكُورَةِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَجَوَازُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ مُطْلَقًا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَتَوَجَّهُ غَيْرُهُ أَثَرًا وَنَظَرًا وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ أَحْمَدَ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْهُ، وَاخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.

وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: قَوْلُ مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَبْذُرَ رَبُّ الْأَرْضِ. أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ إجَارَةً أَوْ مُزَارَعَةً هُوَ فِي الضَّعْفِ نَظِيرُ مَنْ سَوَّى الْإِجَارَةَ الْخَاصَّةَ وَالْمُزَارَعَةَ أَوْ أَضْعَفُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>