للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ، فَقَالُوا: أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ، وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ النَّاسَ يُبَايِعُونَ الْخُلَفَاءَ، كَمَا بَايَعَ الصَّحَابَةُ النَّبِيَّ يَعْقِدُونَ الْبَيْعَةَ كَمَا يَعْقِدُونَ عَقْدَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا، إمَّا أَنْ يَذْكُرُوا الشُّرُوطَ الَّتِي يُبَايِعُونَ عَلَيْهَا ثُمَّ يَقُولُونَ بَايَعْنَاك عَلَى ذَلِكَ كَمَا بَايَعَتْ الْأَنْصَارُ النَّبِيَّ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، فَلَمَّا أَحْدَثَ الْحَجَّاجُ حَلَفَ النَّاسُ عَلَى بَيْعَتِهِمْ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ، فَهَذِهِ الْأَيْمَانُ الْأَرْبَعَةُ، هِيَ كَانَتْ أَيْمَانَ الْبَيْعَةِ الْقَدِيمَةِ الْمُبْتَدَعَةِ، ثُمَّ أَحْدَثَ الْمُسْتَحْلِفُونَ عَنْ الْأُمَرَاءِ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَالْمُلُوكِ، وَغَيْرِهِمْ أَيْمَانًا كَثِيرَةً أَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ فِيهَا عَادَتُهُمْ، مَنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ فَحَسْبُهُ إثْمًا مَا تَرَتَّبَ عَلَى هَذِهِ الْأَيْمَانِ مِنْ الشَّرِّ.

الْمُقَدَّمَةُ الثَّانِيَةُ: إنَّ هَذِهِ الْأَيْمَانَ يُحْلَفُ بِهَا تَارَةً بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، وَتَارَةً بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَخْرُجَ الْيَمِينُ عَنْ هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ، فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَنْ أَفْعَلَ كَذَا، أَوْ عَلَيَّ الْحَرَامُ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ عَلَيَّ الْحَجُّ لَا أَفْعَلُ.

وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي حَرَامٌ أَوْ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ فَمَالِي صَدَقَةٌ، وَلِهَذَا عَقَدَ الْفُقَهَاءُ لِمَسَائِلِ الْأَيْمَانِ بَابَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: بِأَنْ يُعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ فَيَذْكُرُونَ فِيهِ الْحَلِفَ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ كَانَ وَمَتَى وَإِذَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ صِيغَةُ الْقَسَمِ ضِمْنًا وَتَبَعًا.

وَالْبَابُ الثَّانِي بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَيَذْكُرُونَ فِيهِ الْحَلِفَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ وَإِنْ دَخَلَتْ صِيغَةُ الْجَزَاءِ ضِمْنًا، وَمَسَائِلُ أَحَدِ الْبَابَيْنِ مُخْتَلِطَةٌ بِمَسَائِلِ الْبَابِ الْآخَرِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْمَعْنَى كَثِيرًا وَغَالِبًا، وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ لَمَّا ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ " بَابَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ أَرْدَفُوهُ بِبَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى كَالْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَغَيْرِهِمَا إنَّمَا ذَكَرُوا بَابَ جَامِعِ الْأَيْمَانِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهُ أَمَسُّ، وَنَظِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>