للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ مِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُهُ عِنْدَ بَابِ اللِّعَانِ لِاتِّصَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَخِّرُهُ إلَى كِتَابِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ أَخَصُّ.

وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ لِلْيَمِينِ صِيغَتَيْنِ صِيغَةَ الْقَسَمِ وَصِيغَةَ الْجَزَاءِ فَالْمَقْسُومُ عَلَيْهِ فِي صِيغَةِ الْقَسَمِ مُؤَخَّرٌ فِي صِيغَةِ الْجَزَاءِ، وَالْمُؤَخَّرُ فِي صِيغَةِ الْجَزَاءِ مُقَدَّمٌ فِي صِيغَةِ الْقَسَمِ وَالشَّرْطُ الْمُثْبَتُ فِي صِيغَةِ الْجَزَاءِ مَنْفِيٌّ فِي صِيغَةِ الْقَسَمِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَقَدْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، أَنْ لَا يَفْعَلَ، فَالطَّلَاقُ مُقَدَّمٌ مُثْبَتٌ وَالْفِعْلُ مُؤَخَّرٌ مَنْفِيٌّ فَلَوْ حَلَفَ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَكَانَ يُقَدَّمُ الْفِعْلُ مُثْبَتًا وَيُؤَخَّرُ الطَّلَاقُ مَنْفِيًّا، كَمَا أَنَّهُ فِي الْقَسَمِ قُدِّمَ الْحُكْمُ وَأُخِّرَ الْفِعْلُ وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَنْحَلُّ مَسَائِلُ مِنْ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ فَأَمَّا صِيغَةُ الْجَزَاءِ فَهِيَ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ فِي الْأَصْلِ.

فَإِنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لَا يَتَّصِلُ بِهَا فِي الْأَصْلِ إلَّا الْفِعْلُ وَأَمَّا صِيغَةُ الْقَسَمِ فَتَكُونُ فِعْلِيَّةً كَقَوْلِهِ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ تَاللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَتَكُونُ اسْمِيَّةً كَقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَالْحِيلَةُ عَلَيَّ حَرَامٌ لَأَفْعَلَنَّ، ثُمَّ هَذَا التَّقْسِيمُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَيْمَانِ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ، بَلْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ تَارَةً تَكُونُ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ كَقَوْلِهِ فِي الْجَعَالَةِ مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ كَذَا، وَقَوْلِهِ فِي السَّبَقِ مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا. وَتَارَةً بِصِيغَةِ التَّنْجِيزِ إمَّا صِيغَةُ خَبَرٍ كَقَوْلِهِ بِعْت وَزَوَّجْت وَإِمَّا صِيغَةُ طَلَبٍ كَقَوْلِهِ بِعْنِي وَاخْلَعْنِي.

الْمُقَدَّمَةُ الثَّالِثَةُ: وَفِيهَا يَظْهَرُ شَرُّ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا، أَنَّ صِيغَةَ التَّعْلِيقِ الَّتِي تُسَمَّى صِيغَةَ الشَّرْطِ وَصِيغَةُ الْمُجَازَاةِ تَنْقَسِمُ إلَى سِتَّةِ أَنْوَاعٍ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ فَقَطْ أَوْ وُجُودَ الْجَزَاءِ فَقَطْ أَوْ وُجُودَهُمَا، وَإِمَّا أَنْ لَا يُقْصَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَلْ يَكُونُ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الشَّرْطِ فَقَطْ أَوْ الْجَزَاءَ فَقَطْ أَوْ عَدَمَهُمَا.

فَالْأَوَّلُ: بِمَنْزِلَةِ كَثِيرٍ مِنْ صُوَرِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَنَذْرِ التَّبَرُّرِ وَالْجَعَالَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتَ طَالِقٌ أَوْ فَقَدْ خَالَعْتكِ، أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ. أَوْ قَالَ إنْ رَدَدْت عَبْدِي الْآبِقَ فَلَكَ أَلْفٌ، أَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ سَلِمَ مَالِي الْغَائِبُ فَعَلَيَّ عِتْقُ كَذَا وَالصَّدَقَةُ بِكَذَا. فَالْمُعَلَّقُ قَدْ لَا يَكُونُ مَقْصُودَهُ إلَّا أَخْذَ الْمَالِ وَرَدَّ الْعَبْدِ وَسَلَامَةَ الْعِتْقِ وَالْمَالِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ الْجَزَاءَ عَلَى سَبِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>