للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ بَلَغَنَا الْكَلَامُ فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَاخْتَلَفَ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَمِينِ بِالنَّذْرِ، وَقَالُوا: إنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ بِالْحِنْثِ وَلَا تُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالنَّذْرِ هَذَا رِوَايَةً عَنْ عَوْفٍ، عَنْ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي الصَّرِيحِ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَغَيْرِهِمْ.

فَرَوَى حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: كُلُّ يَمِينٍ وَإِنْ عَظُمَتْ وَلَوْ حَلَفَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَإِنْ جَعَلَ مَا فِي الْمَسَاكِينِ مَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقُ امْرَأَةٍ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ أَوْ عَتَقَ غُلَامٌ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ فَإِنَّمَا هِيَ يَمِينٌ.

وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِأَبِيهِ إنْ كَلَّمْتُك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ، قَالَ: لَا يَقُومُ هَذَا مَقَامَ الْيَمِينِ، وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَاءِ.

قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد: يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.

وَبِهِ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ إسْمَاعِيلُ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ امْرَأَةً حَلَفَتْ بِمَالِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي الْمَسَاكِينِ وَجَارِيَتُهَا حُرَّةٌ إنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلْت ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَا أَمَّا الْجَارِيَةُ فَتُعْتَقُ، وَأَمَّا قَوْلُهَا فِي الْمَالِ فَإِنَّهَا تُزَكِّي الْمَالَ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ لَا يَحِلَّانِ فِي هَذَا مَحَلَّ الْأَيْمَانِ، وَلَوْ كَانَ الْمُجْرَى فِيهَا مَجْرَى الْأَيْمَانِ لَوَجَبَ عَلَى الْحَالِفِ بِهَا إذَا حَنِثَ كَفَّارَةٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ، أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، قُلْت أَخْبَرَ أَبُو إِسْحَاقَ بِمَا بَلَغَهُ مِنْ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مُفْتِي النَّاسِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ كَانُوا لَا يُفْتُونَ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ إلَّا بِوُجُوبِ الْوَفَاءِ لَا بِالْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ التَّابِعِينَ مَذْهَبُهُمْ فِيهَا الْكَفَّارَةَ، حَتَّى إنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا أَفْتَى بِمِصْرَ بِالْكَفَّارَةِ كَانَ غَرِيبًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ لَهُ السَّائِلُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا قَوْلُك، فَقَالَ قَوْلُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، فَلَمَّا أَفْتَى فُقَهَاءَ الْحَدِيثِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَنَحْوُهُمْ فِي الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ بِالْكَفَّارَةِ، وَفَرَّقَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ، صَارَ الَّذِي يَعْرِفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>