للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمَأْخَذُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا كَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، فَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الَّذِينَ جَوَّزُوا التَّكْفِيرَ فِي نَذَرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَنَذْرِ الْغَضَبِ، فَإِنَّ هَذَا الْفَرْقَ يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ الَّذِي يُقْصَدُ وُقُوعُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَبَيْنَ الْمُعَلَّقِ الْمَحْلُوفِ بِهِ الَّذِي يُقْصَدُ عَدَمُ وُقُوعِهِ، إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ هُوَ الْوُجُودُ أَوْ الْوُجُوبُ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْقَوْلَ يُخَرَّجُ مِنْ أُصُولِ أَحْمَدَ عَلَى مَوَاضِعَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا، وَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضًا لَازِمٌ لِمَنْ قَالَ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ بِكَفَّارَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ، الشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الَّتِي اخْتَارَهَا أَكْثَرُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّتِي اخْتَارَهَا كَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ، فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ وَالْعِتْقِ هُوَ الْمُتَوَجَّهُ، وَلِهَذَا كَانَ هَذَا مِنْ أَقْوَى حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْوَفَاءِ فِي الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ، فَإِنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَاعْتَقَدَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ.

وَأَيْضًا إذَا حَلَفَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِ عَبِيدِي أَحْرَارٌ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ لَأَفْعَلَنَّ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَالِي صَدَقَةٌ لَأَفْعَلَنَّ وَعَلَيَّ الْحَجُّ لَأَفْعَلَنَّ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ التَّسْوِيَةَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا اعْتَمَدَ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِدْيَةِ الْخُلْعِ، قَالَهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ كِتَابٌ مُتَحَرًّى. مِنْ أَجْوَدِ كَلَامِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُسَمُّونَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِسَبَبٍ طَلَاقًا بِصِفَةٍ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الشَّرْطَ صِفَةً، وَيَقُولُونَ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي زَمَانِ الْبَيْنُونَةِ وَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَهَذَا التَّشْبِيهُ لَهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ لَيْسَ طَلَاقًا مُجَرَّدًا عَنْ صِفَةٍ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، وَإِذَا ظَهَرَتْ فَقَدْ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالزَّمَانِ الْخَاصِّ فَإِنَّ الظَّرْفَ صِفَةٌ لِلْمَظْرُوفِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ وَصَفَهُ بِعِوَضِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ نُحَاةَ الْكُوفَةِ يُسَمُّونَ حُرُوفَ الْجَرِّ وَنَحْوَهَا حُرُوفَ الصِّفَاتِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا فَلَمَّا كَانَ مُعَلَّقًا بِالْحُرُوفِ الَّتِي قَدْ تُسَمَّى حُرُوفَ الصِّفَاتِ سُمِّيَ طَلَاقًا بِصِفَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ.

وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ، هُوَ الْأَصْلُ، فَإِنَّ هَذَا يَعُودُ إلَيْهِ، إذْ النُّحَاةُ إذْ سَمَّوْا حُرُوفَ الْجَرِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>