نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، لَكِنْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْعِتْقِ فِيهَا لِمَا ذَكَرْته مِنْ الْفَرْقِ، وَعَارَضَ أَحْمَدُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَلَمْ يَبْلُغْ أَبَا ثَوْرٍ فِيهِ أَثَرٌ فَتَوَقَّفَ عَنْهُ، مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَهُ مُسَاوَاتُهُ لِلْعِتْقِ. لَكِنْ خَافَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ الطَّلَاقُ وَغَيْرُهُ لِمَا سَنَذْكُرُهُ.
وَلَوْ لَمْ يُنْقَلْ فِي الطَّلَاقِ نَفْسِهِ خِلَافٌ مُعَيَّنٌ لَكَانَ فُتْيَا مَنْ أَفْتَى مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْحَلِفِ بِالْعَتَاقِ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ نَذْرُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ قُرْبَةٌ لَمَّا خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ أَجْزَأَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، فَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِقُرْبَةٍ إمَّا أَنْ تُجْزِيَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ قَوْلٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ نَذْرُ غَيْرِ الطَّاعَةِ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ طَالِقٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك، كَمَا كَانَ عِنْدَ أُولَئِكَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، قَوْلُهُ: فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُمْ، عَلَى أَنِّي إلَى السَّاعَةِ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَلَامٌ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ.
وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَدَثَ فِي زَمَانِهِمْ، وَإِنَّمَا ابْتَدَعَهُ النَّاسُ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَاخْتَلَفَ فِيهِ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ إنَّهُ يَقَعُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي إنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوُقُوعُ، ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ شَيْئًا، قُلْت: أَكَانَ يَرَاهُ يَمِينًا. قَالَ لَا أَدْرِي فَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَاهُ مُوقِعًا لِلطَّلَاقِ. وَتَوَقَّفَ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ نَذْرِ مَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ.
وَفِي كَوْنِ مِثْلِ هَذَا يَمِينًا خِلَافٌ مَشْهُورٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَكَذَا أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ وَلَا عِتْقٌ مُعَلَّقٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُؤَجَّلِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعُقُودَ لَا يَصِحُّ مِنْهَا إلَّا مَا دَلَّ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ عَلَى وُجُوبِهِ أَوْ جَوَازِهِ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ مُقَدَّمَاتٍ يُخَالِفُونَ فِيهَا:
أَحَدُهَا: كَوْنُ الْأَصْلِ تَحْرِيمَ الْعُقُودِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ مَا كَانَ فِي مَعْنَى النُّصُوصِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُؤَجَّلَ وَالْمُعَلَّقَ لَمْ يَتَدَرَّجْ فِي عُمُومِ النُّصُوصِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute