للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَرَّقُوا بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ، بِأَنَّهُ هُنَاكَ مُوجِبُ الْقَوْلِ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ لَا وُجُودِ الصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ، فَإِذَا اقْتَضَى الشَّرْطُ وُجُوبَ ذَلِكَ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ بَدَلًا عَنْ هَذَا الْوَاجِبِ كَمَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ، كَمَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ، وَبَقِيَتْ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُ، وَكَمَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ أَمْكَنَ أَنْ يُخَيَّرَ بَيْنَ أَدَائِهِ وَبَيْنَ أَدَاءِ غَيْرِهِ.

وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَإِنَّ مُوجِبَ الْكَلَامِ وُجُودُهُمَا، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وُجِدَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ، وَإِذَا وَقَعَا لَمْ يَرْتَفِعَا بَعْدَ وُقُوعِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الْفَسْخَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَوَاَللَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ فَإِنَّهُ هُنَا لَمْ يُعَلِّقْ الْعِتْقَ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ وُجُوبَهُ بِالشَّرْطِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِ هَذَا الْإِعْتَاقِ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي هِيَ بَدَلٌ عَنْهُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: إذَا مِتّ فَعَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِمَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الْإِعْتَاقِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ فَسْخُ هَذَا التَّدْبِيرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إلَّا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَفِي بَيْعِهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ، وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ فَقَالَ: إذَا مِتّ فَأَعْتِقُوهُ، كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الْوَصَايَا، وَكَانَ لَهُ بَيْعُهُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ.

وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ فِي تَارِيخِهِ، أَنَّ الْمَهْدِيَّ لَمَّا رَوَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ الْعَهْدِ إلَى أَنَّهُ وَزَّعَ عِيسَى بْنُ مُوسَى الَّذِي كَانَ وَلِيَّ الْعَهْدِ عَزْمَهُ عَلَى خَلْعِ عِيسَى، وَدَعَاهُمْ إلَى الْبَيْعَةِ لِمُوسَى فَامْتَنَعَ عِيسَى مِنْ الْخَلْعِ، وَزَعَمَ أَنَّ عَلَيْهِ أَيْمَانًا تُخْرِجُهُ مِنْ أَمْلَاكِهِ، وَيُطَلِّقُ نِسَاءَهُ، فَأَحْضَرَ لَهُ الْمَهْدِيُّ ابْنَ غُلَامَةَ وَمُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ، وَجَمَاعَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ، فَأَفْتَوْهُ بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ يَمِينِهِ، وَاعْتَاضَ عَمَّا لَزِمَهُ فِي يَمِينِهِ بِمَالٍ كَثِيرٍ ذَكَرَهُ، وَلَمْ يَزَلْ إلَى أَنْ خُلِعَ وَبُويِعَ لِلْمَهْدِيِّ وَلِمُوسَى الْهَادِي بَعْدَهُ.

وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ قَالَ فِي الْعِتْقِ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ الَّتِي أَفْتَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَحَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَيْنَبُ رَبِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ فِي قَوْلِهَا إنْ لَمْ أُفَرِّقْ بَيْنَك وَبَيْنَ امْرَأَتِك فَكُلٌّ لِي مُحَرَّرٌ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ هِيَ مِمَّا اعْتَمَدَهَا الْفُقَهَاءُ الْمُسْتَدِلُّونَ فِي مَسْأَلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>