للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالنَّذْرِ فِي هَذَا الْكَلَامِ، فَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ الْقِسْمَةَ فَقَالَ: إنْ عُدْت تَسْأَلُنِي الْقِسْمَةَ فَكُلُّ مَالٍ لِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّ الْكَعْبَةَ غَنِيَّةٌ عَنْ مَالِك. كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك وَكَلِّمْ أَخَاك. سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «لَا يَمِينَ عَلَيْك وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَفِيمَا لَا يُمْلَكُ» ".

فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَرَ هَذَا الَّذِي حَلَفَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَنَذَرَ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ بِأَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ، وَأَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ الْمَنْذُورَ، وَاحْتَجَّ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَمِينَ عَلَيْك وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَفِيمَا لَا يُمْلَكُ» ، فَفُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَوْ قَطِيعَةٍ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ النَّذْرِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا أَفْتَاهُ عُمَرُ، وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا النَّذْرَ كَانَ عِنْدَهُ يَمِينًا لَمْ يَقُلْ لَهُ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ: " لَا يَمِينَ وَلَا نَذْرَ "

لِأَنَّ الْيَمِينَ مَا قُصِدَ بِهَا الْحَضُّ أَوْ الْمَنْعُ، وَالنَّذْرُ مَا قُصِدَ بِهِ التَّقَرُّبُ، وَكِلَاهُمَا لَا يُوَفِّي بِهِ الْمَعْصِيَةَ وَالْقَطِيعَةَ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ: «لَا يَمِينَ وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ، وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ» يُعْلِمُ جَمِيعَ مَا يُسَمَّى يَمِينًا أَوْ نَذْرًا، سَوَاءٌ كَانَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ كَانَتْ بِوُجُوبِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الْهَدْيِ، أَوْ كَانَتْ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ كَالظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.

وَمَقْصُودُ النَّبِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ عَنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَالْقَطِيعَةِ فَقَطْ. أَوْ يَكُونُ مَقْصُودُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا فِي الْيَمِينِ وَالنُّذُورِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ لِاسْتِدْلَالِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِهِ. فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى هَذَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِدْلَالُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا أَجَابَ بِهِ السَّائِلُ مِنْ الْكَفَّارَةِ دُونَ إخْرَاجِ الْمَالِ فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ النَّبِيِّ يُعْلِمُ ذَلِكَ كُلَّهُ.

وَأَيْضًا كَمَا تَبَيَّنَ دُخُولُ الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي الْيَمِينِ وَالْحَلِفِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>