الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الطَّلَاقَ فَهَلْ يَقَعُ مِنْ حِينِ الِاخْتِيَارِ أَوْ مِنْ حِينِ الْحِنْثِ يَخْرُجُ عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ؟ فَلَوْ قَالَ فِي جِنْسِ مَسَائِلِ نَذَرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ اخْتَرْت التَّكْفِيرَ، أَوْ اخْتَرْت فِعْلَ الْمَنْذُورِ، هَلْ يُعَيَّنُ بِالْقَوْلِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْفِعْلِ؟ إنْ كَانَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوُجُوبَيْنِ تَعَيَّنَ بِالْقَوْلِ كَمَا فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ لَمْ يَتَعَيَّنْ إلَّا بِالْفِعْلِ، كَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْحُكْمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ، أَوْ دَمِي هَدَرٌ، أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ بَدَنَتِي هَدْيٌ، تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِالْقَوْلِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْفِعْلُ إلَّا بِالْفِعْلِ.
(فَصْلٌ) : وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْجَمْعِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا لَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ ذَلِكَ. فَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ بَيْنَ أَرْحَامِكُمْ»
، وَلَوْ رَضِيَتْ إحْدَاهُمَا بِنِكَاحِ الْأُخْرَى عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ فَإِنَّ الطَّبْعَ يَتَغَيَّرُ. وَلِهَذَا لَمَّا عَرَضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ عَلَى النَّبِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ: «أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ لَسْت لَك بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَقُّ مَنْ شَرَكَنِي فِي الْخَيْرِ أُخْتِي فَقَالَ: إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي فَقِيلَ لَهُ: إنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّك نَاكِحٌ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي لَمَا حَلَّتْ لِي فَإِنَّهَا بِنْتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا أَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ أَمَةُ أَبِي لَهَبٍ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ» .
وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالضَّابِطُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ مُحَرَّمٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالْأُخْرَى لِأَجْلِ النَّسَبِ فَإِنَّ الرَّحِمَ الْمُحَرَّمَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ حُكْمَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَحُكْمَانِ مُتَنَازَعٌ فِيهِمَا فَلَا يَجُوزُ مِلْكُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَلَا وَطْؤُهُمَا فَلَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ ذَاتَ رَحِمِهِ الْمُحَرَّمِ وَلَا يَتَسَرَّى بِهَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَلْ وَهُنَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِنِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ النِّكَاحِ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا، وَهَذَا أَيْضًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُمَا لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّاهُمَا فَمَنْ حَرَّمَ جَمْعَهُمَا فِي النِّكَاحِ حَرَّمَ جَمْعَهُمَا فِي التَّسَرِّي، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى الْأُخْتَيْنِ وَلَا الْأَمَةَ وَعَمَّتَهَا وَالْأَمَةَ وَخَالَتَهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَكْثَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute