الصَّحَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَسَرَّى مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْجَمْعِ، فَتَوَقَّفَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِيهَا، وَقَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ. وَظَنَّ أَنَّ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ قَدْ يَكُونُ كَتَحْرِيمِ الْعَدَدِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِأَرْبَعٍ.
فَهَذَا تَحْرِيمٌ عَارِضٌ وَهَذَا عَارِضٌ بِخِلَافِ تَحْرِيمِ النَّسَبِ وَالظَّهْرِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ، وَلِهَذَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِهَذَا، وَلَا تَصِيرُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِذَلِكَ، بَلْ أُخْتُ امْرَأَتِهِ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ لَا يَخْلُو بِهَا وَلَا يُسَافِرُ بِهَا كَمَا لَا يَخْلُو بِمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْ النِّسَاءِ لِتَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْعَدَدِ.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَطَعُوا بِالتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي الْآيَةِ بِمِلْكِ النِّكَاحِ حُرِّمَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَآيَةِ التَّحْلِيلِ وَهِيَ قَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] إنَّمَا أُبِيحَ فِيهَا جِنْسُ الْمَمْلُوكَاتِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا مَا يُبَاحُ وَيَحْرُمُ مِنْ التَّسَرِّي، كَمَا لَمْ يُذْكَرْ مَا يُبَاحُ وَيَحْرُمُ مِنْ الْمَمْهُورَاتِ، وَالْمَرْأَةُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً وَمُحْرِمَةً وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً أَوْ سُرِّيَّةً، وَتَحْرِيمُ الْعَدَدِ كَانَ لِأَجْلِ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: ٣] . أَيْ: لَا تَجُورُوا فِي الْقَسْمِ.
هَكَذَا قَالَ السَّلَفُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَظَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ لَا تَكْثُرَ عِيَالُكُمْ؛ وَقَالُوا: هَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ؛ وَغَلِطَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَفْظًا وَمَعْنًى؛ أَمَّا اللَّفْظُ فَلِأَنَّهُ يُقَالُ عَالَ يَعُولُ إذَا جَارَ؛ وَعَالَ يُعِيلُ إذَا افْتَقَرَ وَأَعَالَ، يُعِيلُ إذَا كَثُرَ عِيَالُهُ؛ وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَالَ تَعُولُوا لَمْ يَقُلْ تُعِيلُوا؛ وَأَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّ كَثْرَةَ النَّفَقَةِ وَالْعِيَالِ يَحْصُلُ بِالتَّسَرِّي، كَمَا يَحْصُلُ بِالزَّوْجَاتِ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَبَاحَ مِمَّا مَلَكَتْ الْيَمِينُ مَا شَاءَ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِ عَدَدٍ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَاتِ لَا يَجِبُ لَهُنَّ قَسْمٌ، وَلَا يَسْتَحْقِقْنَ عَلَى الرَّجُلِ وَطْئًا، وَلِهَذَا يَمْلِكُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا كَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا وَأُخْتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute