الْمَصَالِحِ: كَالصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ. وَفِيمَا اسْتَهَمَّ مَالِكُهُ الْقُرْعَةُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَلْفٌ مِنْ الْمَسَائِلِ نَافِعَةٌ وَاقِعَةٌ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا فَرَضَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي كِتَابِهِ الْغِيَاثِيِّ " وَتَبِعَهُ مَنْ تَبِعَهُ إذَا طَبَقَ الْحَرَامُ الْأَرْضَ وَلَمْ يَبْقَ سَبِيلٌ إلَى الْحَلَالِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلنَّاسِ قَدْرُ الْحَاجَةِ مِنْ الْمَطَاعِمِ، وَالْمَلَابِسِ، وَالْمَسَاكِنِ، وَالْحَاجَةُ أَوْسَعُ مِنْ الضَّرُورَةِ.
وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ إذَا اسْتَوْلَتْ الظَّلَمَةُ مِنْ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَمْوَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَثَّنَّهَا فِي النَّاسِ، وَأَنَّ زَمَانَهُ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ فَكَيْفَ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَزْمَانِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فَرْضٌ مُحَالٌ لَا يُتَصَوَّرُ لِمَا ذَكَرْته مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ قِسْمَانِ: مُحَرَّمٌ لِعَيْنِهِ كَالنَّجَاسَاتِ مِنْ الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ، وَمُحَرَّمٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَهُوَ مَا جِنْسُهُ مُبَاحٌ مِنْ الْمَطَاعِمِ، وَالْمَسَاكِنِ، وَالْمَلَابِسِ، وَالْمَرَاكِبِ، وَالنُّقُودِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَتَحْرِيمُ هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعُودُ إلَى الظُّلْمِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَحْرُمُ لِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَبْضُهَا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهَا وَلَا إذْنِ الشَّارِعِ، وَهَذَا هُوَ الظُّلْمُ الْمَحْضُ: كَالسَّرِقَةِ، وَالْخِيَانَةِ، وَالْغَصْبِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا أَشْهَرُ الْأَنْوَاعِ بِالتَّحْرِيمِ.
وَالثَّانِي: قَبْضُهَا بِغَيْرِ إذْنِ الشَّارِعِ، وَإِنْ أَذِنَ صَاحِبُهَا وَهِيَ الْعُقُودُ وَالْقُبُوضُ الْمُحَرَّمَةُ كَالرِّبَا، وَالْمَيْسِرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ حَصَلَتْ بِيَدِهِ رَدُّهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا، فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَالْمَجْهُولُ كَالْمَعْدُومِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللُّقَطَةِ: «فَإِنْ وَجَدْت صَاحِبَهَا فَارْدُدْهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللُّقَطَةَ الَّتِي عُرِفَ أَنَّهَا مِلْكٌ لِمَعْصُومٍ، وَقَدْ خَرَجَتْ عَنْهُ بِلَا رِضَاهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ فَقَدْ آتَاهَا اللَّهُ لِمَنْ سَلَّطَهُ عَلَيْهَا بِالِالْتِقَاطِ الشَّرْعِيِّ.
وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ، وَلَا وَارِثَ لَهُ مَعْلُومًا، فَمَالُهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي غَالِبِ الْخَلْقِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَصَبَةٌ بَعِيدٌ، لَكِنْ جُهِلَتْ عَيْنُهُ، وَلَمْ تُرْجَ مَعْرِفَتُهُ فَجُعِلَ كَالْمَعْدُومِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَهُ دَلِيلَانِ قِيَاسِيَّانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute