فَهَذَا الْفَيْءُ لَا خُمُسَ فِيهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَئِمَّةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِنَّمَا يَرَى تَخْمِيسَهُ الشَّافِعِيُّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَذَكَرَ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْهُ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ فِي الْفَيْءِ خُمُسًا كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَهَذَا الْفَيْءُ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ كَانَ مِلْكًا لَهُ.
وَأَمَّا مَصْرِفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنْ يَصْرِفَ مِنْهُ أَرْزَاقَ الْجُنْدِ الْمُقَاتِلِينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْكُفَّارَ، فَإِنَّ تَقْوِيَتَهُمْ تَذِلُّ الْكُفَّارَ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْفَيْءُ، وَتَنَازَعُوا هَلْ يُصْرَفُ فِي سَائِرِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَمْ تَخْتَصُّ بِهِ الْمُقَاتِلَةُ، عَلَى قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ، وَوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُقَاتِلَةُ، بَلْ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ كُلِّهَا، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ: يُعْطَى مَنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ.
فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ مَنْ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ. وَهُوَ مَنْ بَلَغَ وَيُحْصِي الذُّرِّيَّةَ وَهِيَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ، وَالنِّسَاءَ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ يُعْطِي الْمُقَاتِلَةَ فِي كُلِّ عَامٍ عَطَاءَهُمْ، وَيُعْطِي الذُّرِّيَّةَ وَالنِّسَاءَ مَا يَكْفِيهِمْ لِسَنَتِهِمْ، قَالَ: وَالْعَطَاءُ مِنْ الْفَيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَالِغٍ يُطِيقُ الْقِتَالَ، قَالَ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِمَّنْ لَقِيَهُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَمَالِيكِ فِي الْعَطَاءِ حَقٌّ، وَلَا لِلْأَعْرَابِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ. قَالَ: فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْفَيْءِ شَيْءٌ وَضَعَهُ الْإِمَامُ فِي أَهْلِ الْحُصُونِ وَالِازْدِيَادِ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، وَكُلُّ مَا يَقْوَى بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ وَحَصَلَتْ كُلُّ مَصْلَحَةٍ لَهُمْ، فَرْقُ مَا يَبْقَى عَنْهُمْ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ. قَالَ: وَيُعْطَى مِنْ الْفَيْءِ رِزْقُ الْعُمَّالِ وَالْوُلَاةِ وَكُلُّ مَنْ قَامَ بِأَمْرِ الْفَيْءِ مِنْ وَالٍ، وَحَاكِمٍ، وَكَاتِبٍ، وَجُنْدِيٍّ مِمَّنْ لَا غِنَى لِأَهْلِ الْفَيْءِ عَنْهُ. وَهَذَا مُشْكِلٌ مَعَ قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ الْفَيْءِ صَبِيٌّ، وَلَا مَجْنُونٌ، وَلَا عَبْدٌ، وَلَا امْرَأَةٌ، وَلَا ضَعِيفٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ.
وَهَذَا إذَا كَانَ لِلْمَصَالِحِ فَيَنْصَرِفُ مِنْهُ إلَى كُلِّ مَنْ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِ مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ: كَالْمُجَاهِدِينَ، وَكَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ مِنْ وُلَاةِ الْحَرْبِ، وَوُلَاةِ الدِّيوَانِ، وَوُلَاةِ الْحُكْمِ، وَمَنْ يُقْرِئُهُمْ الْقُرْآنَ، وَيُفْتِيهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ، وَيَؤُمُّهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَيُؤَذِّنُ لَهُمْ.
وَيُصْرَفُ مِنْهُ فِي سَدَادِ ثُغُورِهِمْ، وَعِمَارَةِ طُرُقَاتِهِمْ، وَحُصُونِهِمْ، وَيُصْرَفُ مِنْهُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute