ذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْهُمْ أَيْضًا، وَيَبْدَأُ فِيهِ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، فَيَتَقَدَّمُ ذَوُو الْمَنَافِعِ الَّذِينَ يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ عَلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ الَّذِينَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمْ، هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ مَا يُعَدُّ بِهَا الثُّغُورُ مِنْ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ، وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ مَا يَكْفِيهِمْ، وَيُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ، وَذُو الْحَاجَاتِ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَوَاتِ وَنَحْوِهَا، وَمَا فَضَلَ عَنْ مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ قُسِمَ بَيْنَهُمْ، لَكِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَغْنِيَاءِ الَّذِينَ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِمْ فِيهِ حَقٌّ، إذَا فَضَلَ الْمَالُ وَاتَّسَعَ عَنْ حَاجَاتِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَمَّا كَثُرَ الْمَالُ أَعْطَى مِنْهُمْ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ.
فَكَانَ لِجَمِيعِ أَصْنَافِ الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ فِي دِيوَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، لَكِنْ كَانَ أَهْلُ الدِّيوَانِ نَوْعَيْنِ: مُقَاتِلَةٌ وَهُمْ الْبَالِغُونَ، وَذُرِّيَّةٌ وَهُمْ الصِّغَارُ وَالنِّسَاءُ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَمَعَ هَذَا قَالُوا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ.
الَّذِينَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمْ، فَلَا يُعْطَى غَنِيٌّ شَيْئًا حَتَّى يَفْضُلَ عَنْ الْفُقَرَاءِ، هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: كَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ تَخْصِيصُ الْفُقَرَاءِ بِالْفَاضِلِ.
وَأَمَّا الْمَالُ الثَّالِثُ: فَهُوَ الصَّدَقَاتُ الَّتِي هِيَ زَكَاةُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ زَكَاةُ الْحَرْثِ، وَهِيَ الْعُشُورُ وَأَنْصَافُ الْعُشُورِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، وَزَكَاةُ الْمَاشِيَةِ وَهِيَ الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَزَكَاةُ النَّقْدَيْنِ، فَهَذَا الْمَالُ مَصْرِفُهُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: ٦٠] .
وَفِي السُّنَنِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا مِنْ الصَّدَقَاتِ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ فِي الصَّدَقَاتِ بِقِسْمَةِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَكِنْ جَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْت مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُك»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute