وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ بِالصَّدَقَاتِ عَنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ إذَا تَبَيَّنَ هَذَا الْأَصْلُ فَنَذْكُرُ أَصْلًا آخَرَ وَنَقُولُ: أَمْوَالُ بَيْتِ الْمَالِ فَيْءٌ بَلْ هَذِهِ الْأَزْمِنَةُ هِيَ أَصْنَافٌ: صِنْفٌ مِنْهَا هُوَ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ الصَّدَقَاتِ أَوْ الْخُمُسِ. فَهَذَا قَدْ عُرِفَ حُكْمُهُ، وَصِنْفٌ صَارَ إلَى بَيْتِ الْمَالِ بِحَقٍّ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ، مِثْلَ: مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا وَارِثَ لَهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ نِزَاعٌ،، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَصِنْفٌ قُبِضَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ بِتَأْوِيلٍ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ إذَا أَمْكَنَ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ، مِثْلَ: مَا يُؤْخَذُ مِنْ مُصَادَرَاتِ الْعُمَّالِ وَغَيْرِهِمْ الَّذِينَ أَخَذُوا مِنْ الْهَدَايَا وَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَهُ فَاسْتَرْجَعَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ تَرِكَاتِهِمْ وَلَمْ يَعْرِفْ مُسْتَحِقَّهُ، وَمِثْلُ مَا قُبِضَ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمُحْدَثَةِ وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِهِ.
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْأَمْوَالُ الَّتِي تَعَذَّرَ رَدُّهَا إلَى أَهْلِهَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِمْ مَثَلًا هِيَ مِمَّا يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَا يَعْرِفُ صَاحِبَهُ كَالْغَاصِبِ التَّائِبِ، وَالْخَائِنِ التَّائِبِ، وَالْمُرَائِي التَّائِبِ وَنَحْوِهِمْ. مِمَّنْ صَارَ بِيَدِهِ مَالٌ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَعْرِفُ صَاحِبَهُ، فَإِنَّهُ يَصْرِفُهُ إلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
إذَا تَبَيَّنَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ فَنَقُولُ: مَنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَالْغَارِمِينَ، وَابْنِ السَّبِيلِ، فَهَؤُلَاءِ يَجُوزُ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُعْطُوا مِنْ الزَّكَوَاتِ وَمِنْ الْأَمْوَالِ الْمَجْهُولَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَذَلِكَ يُعْطُوا مِنْ الْفَيْءِ مِمَّا فَضَلَ عَنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، سَوَاءٌ كَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ أَوْ لَمْ يَكُونُوا، وَسَوَاءٌ كَانُوا فِي زَوَايَا أَوْ رُبُطٍ أَوْ لَمْ يَكُونُوا.
لَكِنْ مَنْ كَانَ مُمَيِّزًا بِعِلْمٍ أَوْ دِينٍ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ وَأَحَقُّ هَذَا الصِّنْفِ مَنْ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute