بَلْ يَشْهَدُونَ بِالْحِسِّيَّاتِ، كَاَلَّذِي سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِالِاجْتِهادِيّات ت يَدْخُلُهَا التَّأْوِيلُ وَالتُّهَمُ، فَالْجُعْلُ يُسَهِّلُ الشَّهَادَةَ فِيهَا بِغَيْرِ تَحَرٍّ، بِخِلَافِ الْحِسِّيَّاتِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا كَذِبٌ صَرِيحٌ لَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ إلَّا مَنْ يَقْدُمُ عَلَى صَرِيحِ الزُّورِ، وَهَؤُلَاءِ أَقَلُّ مِنْ غَيْرِهِمْ، بَلْ إذَا أَتَى الْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ بِمَنْ يُعْرَفُ صِدْقُهُ مِنْ جِيرَانِهِ وَمَعَارِفِهِ وَأَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ بِهِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ جَمِيعَ مَنْ بِالرُّبُطِ وَالزَّوَايَا غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ بَاطِلٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ.
كَمَا أَنَّ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِيهِمْ مُسْتَحِقٌّ لِمَا يَأْخُذُهُ هُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا، فَلَا هَذَا وَلَا هَذَا بَلْ فِيهِمْ الْمُسْتَحِقُّ الَّذِي يَأْخُذُ حَقَّهُ وَفِيهِمْ مَنْ يَأْخُذُ فَوْقَ حَقِّهِ، وَفِيهِمْ مَنْ لَا يُعْطَى إلَّا دُونَ حَقِّهِ، وَفِيهِمْ غَيْرُ الْمُسْتَحِقِّ حَتَّى أَنَّهُمْ فِي الطَّعَامِ الَّذِي يَشْتَرِكُونَ فِيهِ يُعْطَى أَحَدُهُمْ أَفْضَلَ مِمَّا يُعْطَى الْآخَرُ، وَإِنْ كَانَ أَغْنَى مِنْهُ خِلَافُ مَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْعَدْلِ الَّذِينَ يُسَوُّونَ فِي الطَّعَامِ بِالْعَدْلِ، كَمَا يُعْمَلُ فِي رِبَاطَاتِ أَهْلِ الْعَدْلِ.
وَأَمْرُ وَلِيِّ الْأَمْرِ بِجَمِيعِ هَؤُلَاءِ بَيْنَهُمْ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَأَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ، وَمَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْحُكَّامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ هَؤُلَاءِ إلَّا الْأَعْمَى وَالْمُكَسَّحُ، وَالزَّمِنُ قَوْلٌ لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُولَ هَذَا حَاكِمٌ مِمَّنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَتَوَلَّى الْحُكْمَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ أَوْ أَفْجَرِهِمْ.
فَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَرْحِهِ كَمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ النَّاقِلُ لِهَذَا عَنْ حَاكِمٍ قَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةً مُرْدِعَةً، وَأَمْثَالُهُ مِنْ الْمُفْتَرِينَ عَلَى النَّاسِ، وَعُقُوبَةُ الْإِمَامِ لِلْكَذِبِ الْمُفْتَرَى عَلَى النَّاسِ وَالْمُتَكَلِّم فِيهِمْ وَفِي اسْتِحْقَاقِهِمْ لِمَا يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَاهُمْ. بَلْ الْعُقُوبَةُ فِي ذَلِكَ جَائِزَةٌ بِدُونِ دَعْوَى أَحَدٍ كَعُقُوبَتِهِ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الدِّينِ بِلَا عِلْمٍ، فَيُحَدِّثُ بِلَا عِلْمٍ وَيُفْتِي بِلَا عِلْمٍ.
وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ يُعَاقَبُونَ، فَعُقُوبَةُ كُلِّ هَؤُلَاءِ جَائِزَةٌ بِدُونِ دَعْوَى، فَإِنَّ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَالتَّكَلُّمَ فِي الدِّينِ وَفِي النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَثِيرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ قَالَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْأَعْمَى، وَالزَّمِنُ، وَالْمُكَسَّحُ فَقَدْ أَخْطَأَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ إنَّ أَمْوَالَ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِأَصْنَافٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute