للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْبَاطِلِ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَوْمٌ لَهُمْ رَوَاتِبُ أَضْعَافُ حَاجَاتِهِمْ، وَقَوْمٌ لَهُمْ رَوَاتِبُ مَعَ غِنَاهُمْ، وَعَدَمِ حَاجَاتِهِمْ، وَقَوْمٌ يَنَالُونَ جِهَاتٍ كَمَسَاجِدَ وَغَيْرِهَا فَيَأْخُذُونَ مَعْلُومَهَا وَيَسْتَثْنُونَ مَنْ يُعْطُونَ شَيْئًا يَسِيرًا، وَأَقْوَامٌ فِي الرُّبُطِ وَالزَّوَايَا يَأْخُذُونَ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَ، وَيَأْخُذُونَ فَوْقَ حَقِّهِمْ وَيَمْنَعُونَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُمْ حَقَّهُ أَوْ تَمَامَ حَقِّهِ.

وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مَوَاضِيعَ كَثِيرَةٍ، وَلَا يَسْتَرِيبُ مُسْلِمٌ أَنَّ السَّعْيَ فِي تَمْيِيزِ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِعْطَاءَ الْوِلَايَاتِ وَالْأَرْزَاقِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَالْعَدْلَ بَيْنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَفِعْلَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ وُلَاةِ الْأُمُورِ، بَلْ وَمِنْ أَوْجَبِهَا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَالْإِحْسَانِ، وَالْعَدْلُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَكَمَا أَنَّ النَّظَرَ فِي الْجُنْدِ الْمُقَاتِلَةِ وَالتَّعْدِيلَ بَيْنَهُمْ وَزِيَادَةَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ، وَنُقْصَانَ مَنْ يَسْتَحِقُّ النُّقْصَانَ، وَإِعْطَاءَ الْعَاجِزِ عَنْ الْجِهَادِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى هُوَ مِنْ أَحْسَنِ أَفْعَالِ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَأَوْجَبِهَا. فَكَذَلِكَ النَّظَرُ فِي حَالِ سَائِرِ الْمُرْتَزِقِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْمَصَالِحِ وَالْوُقُوفِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَإِعْطَاءِ الْمُسْتَحِقِّ تَمَامَ كِفَايَتِهِ، وَمَنْعِ مَنْ دَخَلَ فِي الْمُسْتَحِقِّينَ وَلَيْسَ مِنْهُمْ مِنْ أَنْ يُزَاحِمَهُمْ فِي أَرْزَاقِهِمْ، وَإِذَا ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِهِ الْغَنِيُّ وَطَلَبَ الْأَخْذَ مِنْ الصَّدَقَاتِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ بَعْدَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ. وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَأَلَهُ رَجُلَانِ مِنْ الصَّدَقَةِ فَلَمَّا رَآهُمَا جَلْدَيْنِ صَعَّدَ فِيهِمَا النَّظَرَ، وَصَوَّبَهُ فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» .

وَأَمَّا إنْ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ عِيَالًا فَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى بَيِّنَةٍ؛ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ مَشْهُورَانِ: هُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ فِيهِ يَفْتَقِرُ إلَى بَيِّنَةٍ، فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ مِنْ الشُّهُودِ الْمُعَدَّلِينَ، بَلْ يَجِبُ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْتَزِقُوا عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ إذَا أَخَذُوا عَلَيْهَا رِزْقًا لَا سِيَّمَا مَعَ الْعِلْمِ بِكَثْرَةِ مَنْ يَشْهَدُ بِالزُّورِ.

وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ الشُّهُودَ فِي الْعَامَّةِ الْمُرْتَزِقَةِ بِالشَّهَادَةِ لَا يَشْهَدُونَ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ: كَالْأَعْشَارِ، وَالرُّشْدِ، وَالْعَدَالَةِ، وَالْأَهْلِيَّةِ، وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>