للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَّخِذُونَ الْجِهَادَ، وَالْقِتَالَ، وَالِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ، مَعِيشَةً دُنْيَوِيَّةً يُحَامُونَ بِهَا عَنْ الْجَاهِ وَالْمَالِ وَإِنَّهُمْ عُصَاةٌ بِقِتَالِهِمْ وَاشْتِغَالِهِمْ، مَعَ انْضِمَامِ مَعَاصٍ وَمَصَائِبَ أُخْرَى لَا يَتَّسِعُ الْحَالُ لَهَا، وَالْمُجَاهِدُ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَالْمُعَلِّمُ لِيَكُونَ التَّعَلُّمُ مَحْضَ التَّقَرُّبِ قَلِيلُ الْوُجُودِ أَوْ مَفْقُودٌ بِلَا رَيْبٍ أَنَّ الْإِخْلَاصَ وَاتِّبَاعَ السُّنَّةِ فِيمَنْ لَا يَأْكُلُ أَمْوَالَ النَّاسِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَأْكُلُ الْأَمْوَالَ بِذَلِكَ، بَلْ وَالزَّنْدَقَةُ تُعَارِضُهُ بِمَا هُوَ أَصْدَقُ مِنْهُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الرُّبُطِ وَالزَّوَايَا وَالْمُتَظَاهِرِينَ لِلنَّاسِ بِالْفَقْرِ إنَّمَا يَتَّخِذُونَ ذَلِكَ مَعِيشَةً دُنْيَوِيَّةً، هَذَا مَعَ انْضِمَامِ كُفْرٍ وَفُسُوقٍ وَمَصَائِبَ لَا يَتَّسِعُ الْحَالُ لِقَوْلِهَا بِمِثْلِ دَعْوَى الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ فِي الْعِبَادِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ.

وَكَذَلِكَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ بِالْعِبَادَاتِ الْبِدْعِيَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي كُلِّ طَائِفَةٍ بَرٌّ، وَفَاجِرٌ، وَصِدِّيقٌ، وَزِنْدِيقٌ، وَالْوَاجِبُ مُوَالَاةُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ مِنْ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، وَبَعْضُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، وَالْفَاسِقُ الْمِلِّيُّ يُعْطَى مِنْ الْمُوَالَاةِ بِقَدْرِ إيمَانِهِ، وَيُعْطَى مِنْ الْمُعَادَاةِ بِقَدْرِ فِسْقِهِ، فَإِنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الْفَاسِقَ الْمِلِّيَّ لَهُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ إذَا لَمْ يَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ مِنْ الْفُسَّاقِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، بَلْ يَخْلُدُ فِيهَا الْمُنَافِقُونَ كَمَا يَخْلُدُ فِيهَا الْمُتَظَاهِرُونَ بِالْكُفْرِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ غَالِبُ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْجُنْدِ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَنَحْوِهِمْ مَحَاوِيجُ أَيْضًا، بَلْ غَالِبُهُمْ لَيْسَ لَهُ رِزْقٌ إلَّا الْعَطَاءُ، وَمَنْ يَأْخُذُ لِلْمَنْفَعَةِ وَالْحَاجَةِ، أَوْلَى مِمَّنْ يَأْخُذُ بِمُجَرَّدِ الْحَاجَةِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ الْعَطَاءُ إذَا كَانَ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُنْظَرْ إلَى الْآخِذِ هَلْ هُوَ صَالِحُ النِّيَّةِ أَوْ فَاسِدُهَا، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَعْطَى ذَوِي الْحَاجَاتِ الْعَاجِزِينَ عَنْ الْقِتَالِ، وَتَرَكَ إعْطَاءَ الْمُقَاتِلَةِ حَتَّى يُصْلِحُوا نِيَّاتِهِمْ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَاسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْعَطَايَا فِي الْقُلُوبِ مُتَعَذِّرٌ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ، وَبِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>