وَقَالَ: «إنِّي لَأُعْطِي رِجَالًا وَأَدَعُ رِجَالًا، وَاَلَّذِينَ أَدَعُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الَّذِينَ أُعْطِي، أُعْطِي رِجَالًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْهَلَعِ وَالْجَزَعِ، وَأَكِلُ رِجَالًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْغِنَى وَالْخَيْرِ» .
وَقَالَ: «إنِّي لَأُعْطِي أَحَدَهُمْ الْعَطِيَّةَ فَيَخْرُجُ بِهَا يَتَأَبَّطُهَا نَارًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلِمَ تُعْطِيهِمْ؟ قَالَ: يَأْبَوْنَ إلَّا أَنْ يَسْأَلُونِي وَيَأْبَى اللَّهُ لِي الْبُخْلَ» وَلَمَّا كَانَ عَامُ حُنَيْنٍ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ بَيْنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، وَالطُّلَقَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ، كَعُيَيْنَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَالْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَأَمْثَالِهِمْ، وَبَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَابْنِهِ مُعَاوِيَةَ، وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ الطُّلَقَاءِ اللَّذَيْنِ أَطْلَقَهُمْ عَامَ الْفَتْحِ، وَلَمْ يُعْطِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ شَيْئًا. أَعْطَاهُمْ لِيَتَأَلَّفَ بِذَلِكَ قُلُوبَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتَأْلِيفُهُمْ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّذِينَ لَمْ يُعْطِهِمْ هُمْ أَفْضَلُ عِنْدَهُ وَهُمْ سَادَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَأَفْضَلُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ بَعْدَ النَّبِيِّينَ الْمُرْسَلِينَ، وَاَلَّذِينَ أَعْطَاهُمْ مِنْهُمْ مِنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَعَامَّتُهُمْ أَغْنِيَاءٌ لَا فُقَرَاءُ فَلَوْ كَانَ الْعَطَاءُ لِلْحَاجَةِ مُقَدَّمًا عَلَى الْعَطَاءِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لَمْ يُعْطِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَؤُلَاءِ الْأَغْنِيَاءَ السَّادَةَ الْمُطَاعِينَ فِي عَشَائِرِهِمْ، وَيَدَعُ عَطَاءَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ هُمْ أَحْوَجُ مِنْهُمْ وَأَفْضَلُ.
وَبِمِثْلِ هَذَا طَعَنَ الْخَوَارِجُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهُ أَوَّلُهُمْ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ فَإِنَّك لَمْ تَعْدِلْ: قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ: «وَيْحَك وَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أَعْدِلْ، لَقَدْ خِبْت وَخَسِرْت إنْ لَمْ أَعْدِلْ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا. فَقَالَ: إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِي هَذَا قَوْمٌ يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute