للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي يُكْثِرُ صَبَّ الْمَاءِ حَتَّى يَغْتَسِلَ بِقِنْطَارِ مَاءٍ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ: مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَمَنْ تَدَيَّنَ عُوقِبَ عُقُوبَةً تَزْجُرُهُ وَأَمْثَالَهُ عَنْ ذَلِكَ، كَسَائِرِ الْمُتَدَيِّنِينَ بِالْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ بَيِّنٌ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يَفْعَلُ نَحْوَ هَذَا لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَكُونُ نَجِسًا أَوْ مُسْتَعْمَلًا، بِأَنْ تَكُونَ الْآنِيَةُ مِثْلَ: الطَّاسَةِ اللَّاصِقَةِ بِالْأَرْضِ، قَدْ تَنَجَّسَتْ بِمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ غَرَفَ بِهَا مِنْهُ، أَوْ بِأَنَّ الْجُنُبَ غَمَسَ يَدَهُ فِيهِ فَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، أَوْ قَطَرَ عَلَيْهِ مِنْ عَرَقِ سَقْفِ الْحَمَّامِ النَّجِسِ، أَوْ الْمُحْتَمِلِ النَّجَاسَةَ، أَوْ غَمَسَ بَعْضُ الدَّاخِلِينَ أَعْضَاءَهُ فِيهِ وَهِيَ نَجِسَةٌ فَنَجَّسَتْهُ، فَلِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ نَجَسًا، أَوْ مُسْتَعْمَلًا احْتَطْنَا لِدِينِنَا، وَعَدَلْنَا إلَى الْمَاءِ الطَّهُورِ بِيَقِينٍ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» . وَلِقَوْلِهِ: «مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِعَرْضِهِ وَدِينِهِ» .

قِيلَ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: إنَّ الِاحْتِيَاطَ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ فِي أُمُورِ الْمِيَاهِ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا وَلَا مَشْرُوعًا، بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ. بَلْ الْمَشْرُوعُ أَنْ يُبْنَى الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى النَّجَاسَةِ نَجَّسْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَنِبَ اسْتِعْمَالَهُ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا إذَا قَامَتْ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ فَذَاكَ مَقَامٌ آخَرُ. وَالدَّلِيلُ الْقَاطِعُ: أَنَّهُ مَا زَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ يَتَوَضَّئُونَ وَيَغْتَسِلُونَ وَيَشْرَبُونَ مِنْ الْمِيَاهِ الَّتِي فِي الْآنِيَةِ، وَالدِّلَاءِ الصِّغَارِ، وَالْحِيَاضِ، وَغَيْرِهَا، مَعَ وُجُودِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، بَلْ كُلُّ احْتِمَالٍ لَا يُسْنَدُ إلَى أَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ نَوْعَانِ: مُحَرَّمٌ لِوَصْفِهِ، وَمُحَرَّمٌ لِكَسْبِهِ. فَالْمُحَرَّمُ لِكَسْبِهِ: كَالظُّلْمِ، وَالرِّبَا، وَالْمَيْسِرِ. وَالْمُحَرَّمُ لِوَصْفِهِ: كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>