التَّقْيِيدِ وَالتَّخْصِيصِ، فَإِذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي. كَانَ عَامًّا. فَلَوْ قَالَ الْفُقَرَاءُ، أَوْ الْعُدُولِ، أَوْ الذُّكُورِ. اخْتَصَّ الْوَقْفُ بِهِمْ؛ وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ كَلَامِهِ عَامًّا.
وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَفْظُ الْأَوْلَادِ عَامٌّ، وَتَخْصِيصُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَنْ النَّوْعِ الْآخَرِ؛ بَلْ الْعُقَلَاءُ كُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ قَصَرَ الْحُكْمَ عَلَى أُولَئِكَ الْمَخْصُوصِينَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ - مُثْبِتُو الْمَفْهُومِ وَنُفَاتُهُ - وَيُسَمُّونَ هَذَا التَّخْصِيصَ الْمُتَّصِلَ.
وَيَقُولُونَ: لَمَّا وُصِلَ اللَّفْظُ الْعَامُّ بِالصِّفَةِ الْخَاصَّةِ صَارَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَقَطْ، وَصَارَ الْخَارِجُونَ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ خَارِجِينَ عَنْ الْحُكْمِ. أَمَّا عِنْدَ نُفَاةِ الْمَفْهُومِ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا إلَّا إذَا دَخَلُوا فِي اللَّفْظِ؛ فَلَمَّا وُصِلَ اللَّفْظُ الْعَامُّ بِالصِّفَةِ الْخَاصَّةِ أَخْرَجَهُمْ مِنْ اللَّفْظِ؛ فَلَمْ يَصِيرُوا دَاخِلِينَ فِيهِ؛ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ. فَهُمْ يَنْفُونَ اسْتِحْقَاقَهُمْ لِعَدَمِ مُوجِبِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَأَمَّا عِنْدَ مُثْبِتِي الْمَفْهُومِ فَيَخْرُجُونَ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ تَخْصِيصَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ تَخْصِيصِهِ بِالْحُكْمِ. وَقَصْدُ تَخْصِيصِهِمْ بِالْحُكْمِ مُلْتَزِمٌ لِنَفْيِهِ عَنْ غَيْرِهِ. فَهُمْ يَمْنَعُونَ اسْتِحْقَاقَهُمْ لِانْتِفَاءِ مُوجِبِهِ وَلِقِيَامِ مَانِعِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قُيِّدَ الْمُطْلَقُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي عَلَى أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ. أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ. أَوْ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي عَلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ مِنْ الْوَقْفِ إلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْهُمْ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ. وَوَقَفْت عَلَى أَنَّهُ مَنْ كَانَ فَقِيرًا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ. فَإِنَّ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ: أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ؛ أَوْ إنْ كَانَ فَقِيرًا.
وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى بَنَاتِي عَلَى أَنَّهُ مَنْ كَانَتْ أَيِّمًا أُعْطِيت، وَمَنْ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أُعْطِيت؛ فَإِنَّ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: وَقَفْت عَلَى بَنَاتِي عَلَى الْأَيَامَى مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ صِيغَةَ " عَلَى " مِنْ صِيَغِ الِاشْتِرَاطِ، كَمَا قَالَ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهَا أَلْفًا؛ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي ذِمَّتِك أَلْفٌ، كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا ثَابِتًا وَتَسْمِيَتُهُ صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute