هَذَا خِلَافٌ، وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَوْ غَيْرِهِ خِلَافًا فِي ذَلِكَ؛ مِنْ أَجْلِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ لِعَبْدِهِ: أَنْت حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ، فَلَمْ تَقْبَلْ الزَّوْجَةُ وَالْعَبْدُ؛ فَإِنَّهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ يَقَعُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَأْخَذُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ لِلشَّرْطِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: خَلَعْتُك عَلَى أَلْفٍ، أَوْ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفٍ، أَوْ زَوَّجْتُك عَلَى أَلْفٍ أَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي بِهِ كَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهُ زَيْدٌ، أَوْ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنَّك حُرٌّ: إنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ كُلِّهِمْ.
وَإِنَّمَا الْمَأْخَذُ أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ لَا يَفْتَقِرَانِ إلَى عِوَضٍ، وَلَمْ يُعَلِّقْ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ؛ وَإِنَّمَا شَرَطَ فِيهِ شَرْطًا، وَفَرْقٌ بَيْنَ التَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ فِي الْكَلَامِ الْمُنْجَزِ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ كَثِيرٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُعَلَّقَةِ مَعَ صِحَّةِ الِاشْتِرَاطِ فِيهَا؛ وَهَذِهِ الصِّفَةُ قَدْ تَعَذَّرَ وُجُودُهَا، وَالطَّلَاقُ الْمَوْصُوفُ إذَا فَاتَتْ صِفَتُهُ هَلْ يَفُوتُ جَمِيعُهُ؟ أَوْ يَثْبُتُ هُوَ دُونَ الصِّفَةِ؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ.
إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ، شَرْطٌ حُكْمِيٌّ، وَوَصْفٌ مَعْنَوِيٌّ لِلْوَقْفِ الْمَذْكُورِ؛ وَأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ؛ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ فِي الْكَلَامِ كَانَ انْتِقَالُ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى إلَى ذَوِي طَبَقَتِهِ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ وَلَدِهِ، وَإِنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَصْرِفْ إلَيْهِ نَصِيبَ الْمُتَوَفَّى فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَمَعْلُومٌ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى إلَيْهِمْ فِي ضِدِّ هَذِهِ الْحَالِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَعُلِمَ أَنَّ هَذَا ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ بَلْ وَالْعُقَلَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ، وَالنَّافِينَ لَهُ؛ فَإِنَّ صَرْفَ الْوَقْفِ إلَى غَيْرِ مَنْ صَرَفَهُ إلَيْهِ الْوَاقِفُ حَرَامٌ؛ وَهُوَ لَمْ يَصْرِفْهُ إلَيْهِمْ. فَهَذَا الْمَنْعُ لِانْتِفَاءِ الْمُوجِبِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ مُنِعَ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ وَهَذَا الْمَنْعُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ بِشَرْطِ أَنْ يَنْتَقِلَ نَصِيبُ الْمُتَوَفَّى مِنْهُمْ إلَى أَهْلِ طَبَقَتِهِ إذَا كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ.
وَلَيْسَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ هَذَا الْبَابَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا يَغْلَطُ هُنَا مَنْ لَمْ يُحْكِمْ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ، وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ أَنْوَاعِ أُصُولِ الْفِقْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute