وَاحِدٍ أَوْ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ؛ وَلَا فِي كَلَامِ مُتَكَلِّمَيْنِ لَا يَجِبُ اتِّحَادُ مَقْصُودِهِمَا. فَهُنَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: كَلَامَانِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ. وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِيَدْخُلَ فِيهِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كَلَامَ اللَّهِ وَالْآخَرُ كَلَامَ رَسُولِهِ؛ فَإِنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ مَا لَوْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ كَلَامِ رَسُولِهِ: مِثْلُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» ، مَعَ قَوْلِهِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» ، فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهِمَا وَاحِدٌ.
وَهُمَا كَلَامَانِ. فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْمَفْهُومَ حُجَّةٌ يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ خَصَّصَ عُمُومَ قَوْلِهِ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» بِمَفْهُومِ " إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ " مَعَ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ أَضْعَفُ مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَغَيْرُهُمَا. وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: قَوْلُهُ: " الْمَاءُ طَهُورٌ " عَامٌّ، وَقَوْلُهُ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ» هُوَ بَعْضُ ذَلِكَ الْعَامِّ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُ فِي حُكْمِهِ فَلَا تُتْرَكُ دَلَالَةُ الْعُمُومِ لِهَذَا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ: «فِي الْإِبِلِ فِي خَمْسٍ مِنْهَا شَاةٌ» إلَى آخِرِهِ. مَعَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَا قَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْجِيحِ الْمَفْهُومِ فِيهِ: مِثْلُ قَوْلِهِ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» مَعَ قَوْلِهِ: «جُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْأَرْضَ الْخَبِيثَةَ لَيْسَتْ بِطَهُورٍ.
وَمِنْهَا مَا قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، كَقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لِي طَهُورًا» فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرَهُمَا جَعَلُوا مَفْهُومَ هَذَا الْحَدِيثِ مُخَصِّصًا لِقَوْلِهِ «جُعِلَتْ لِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute