للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ طَهُورًا» . وَمِنْهَا مَا قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَقْدِيمِ الْعُمُومِ فِيهِ كَقَوْلِهِ: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢] . مَعَ قَوْلِهِ: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: ٦] . فَإِنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ سَوَاءٌ قَصَدَ بِدَارًا كِبَرَ الْيَتِيمِ أَوْ لَا.

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَاتَيْنِ الدَّلَالَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا. فَذَهَبَ أَهْلُ الرَّأْيِ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ: إلَى تَرْجِيحِ الْعُمُومِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ: إلَى تَقْدِيمِ الْمَفْهُومِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ صَرِيحًا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا. وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمِلَةٌ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِهَا؛ فَإِنَّهَا ذَاتُ شُعَبٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِمَسْأَلَةِ " الْمُطْلَقِ، وَالْمُقَيَّدِ " وَهِيَ غَمْرَةٌ مِنْ غَمَرَاتِ " أُصُولِ الْفِقْهِ " وَقَدْ اشْتَبَهَتْ أَنْوَاعُهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ السَّابِحِينَ فِيهِ.

لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، مَعَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْهُ لَكَانَ الْوَاجِب عَلَى مَنْ يُفْتِي بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنْ يَبْنِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أُصُولِهِمَا، وَأُصُولِ أَصْحَابِهِمَا، دُونَ مَا أَصْلُهُ بَعْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ لَمْ يُمْنَعُوا النَّظَرَ فِي آيَاتِ اللَّهِ. وَدَلَائِلِهِ: الَّتِي بَيَّنَهَا فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، وَلَا أَحَاطُوا عِلْمًا بِوُجُوهِ الْأَدِلَّةِ، وَدَقَائِقِهَا، الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي وَحْيِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ، وَلَا ضَبَطُوا وُجُودَ دَلَالَاتِ اللِّسَانِ الَّذِي هُوَ أَبْيَنُ الْأَلْسِنَةِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ أَشْرَفَ الْكُتُبِ.

وَإِنَّمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ وَاحِدٍ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، آخِرُهُ مُقَيِّدٌ لِأَوَّلِهِ: مِثْلُ مَا لَوْ قَالَ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ» أَوْ يُقَالُ: «الْمَاءُ طَهُورٌ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» أَوْ يَقُولُ: «فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، تَجِبُ هَذِهِ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ» ، كَمَا قَالَ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] .

فَأَطْلَقَ وَعَمَّمَ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٥] ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>