للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ لَازِمَ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، وَنَسْلِهِمْ، وَعَقِبِهِمْ؛ عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ: لَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الطَّبَقَةِ الْآخِرَةِ، وَأَنَّ الطَّبَقَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْهُمْ لَمْ يَنْتَقِلْ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ؛ بَلْ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ، عَمَلًا بِمُقْتَضَى مُطْلَقِ التَّرْتِيبِ؛ فَإِنْ الْتَزَمَ الْمُنَازِعُ هَذَا اللَّازِمَ وَقَالَ: كَذَلِكَ أَقُولُ. كَانَ هَذَا قَوْلًا مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَكُلِّ مِصْرٍ؛ فَإِنَّ الْوُقُوفَ الْمَشْرُوطَةَ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ لَا يَحْصِي عَدَدَهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى.

وَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قُضَاتِهِمْ وَمُفْتِيهمْ وَخَاصَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ يَجْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ لِذَلِكَ وَلَا مُنَازِعٍ فِيهِ. فَمَنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ ابْتَدَعَ قَوْلًا يُخَالِفُ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرُونُ السَّالِفَةُ، وَالْعِلْمُ بِهَذَا ضَرُورِيٌّ.

ثُمَّ لَوْ فُرِضَ أَنَّ فِي هَذَا خِلَافًا لَكَانَ خِلَافًا شَاذًّا مَعْدُودًا مِنْ الزَّلَّاتِ، وَبِحَسْبِ قَوْلٍ مِنْ الضَّعْفِ أَنْ يُبْنَى عَلَى مِثْلِ هَذَا. وَمِنْ لَوَازِمِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ. وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ؛ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ؛ عَلَى أَنَّهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فَقِيرًا صُرِفَ إلَيْهِ. وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَنِيًّا لَمْ يُصْرَفْ إلَيْهِ. فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الطَّبَقَةِ الْأُولَى؛ وَالثَّانِيَةِ، سَوَاءٌ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ؛ أَوْ يَخْتَصُّ التَّفْصِيلُ بِالطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُعْطِيَ، وَمَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ لَمْ يُعْطَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَمِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ عَلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ. أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُصْرَفَ إلَى فُقَرَائِهِمْ دُونَ أَغْنِيَائِهِمْ.

وَهَكَذَا صُوَرٌ كَثِيرَةٌ لَا يَأْتِي عَلَيْهَا الْإِحْصَاءُ مَنْ الْتَزَمَ فِيهَا قِيَاسَ هَذَا الْقَوْلِ كَانَ قَدْ أَتَى بِدَاهِيَةٍ دَهْيَاءَ،، وَإِنْ قَالَ: بَلْ يَعُودُ الشَّرْطُ إلَى جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ؛ كَمَا هُوَ الْمَعْلُومُ عِنْدَ النَّاسِ فَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا وَاحِدَةٌ مِنْ هَذَا النَّوْعِ؛ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْ الْفَرْقِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ عَلَى مُمَيِّزٍ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إلَّا الِاشْتِرَاطَ فِي جَمِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>