فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ يَنْجُسُ ذَلِكَ الْبَلَاطُ؟ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ أَنَّهُ قَدْ يَبُولُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُغْتَسِلِينَ، أَوْ يَبْقَى عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونُ عَلَى بَدَنِ بَعْضِ الْمُغْتَسِلِينَ نَجَاسَةٌ يَطَأُ بِهَا الْأَرْضَ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَجَوَابُ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا قَلِيلٌ نَادِرٌ، وَلَيْسَ هَذَا الْمُتَيَقَّنُ مِنْ كُلِّ بُقْعَةٍ.
الثَّانِي: أَنَّ غَالِبَ مِنْ تَقَعُ مِنْهُ نَجَاسَةٌ يَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ الَّذِي يُزِيلُهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ إذَا أَصَابَ ذَلِكَ الْبَلَاطَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَإِنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَفِيضُ مِنْ الْحَوْضِ، وَاَلَّذِي يَصُبُّهُ النَّاسُ، يُطَهِّرُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ تَطْهِيرُهَا، فَإِنَّ الْقَصْدَ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَكِنْ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، ذَكَرُوا وَجْهًا ضَعِيفًا فِي ذَلِكَ لِيَطْرُدُوا قِيَاسَهُمْ فِي مُنَاظَرَةِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ، كَمَا أَنَّ زُفَرَ نَفَى وُجُوبَ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ طَرْدًا لِقِيَاسِهِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُطْرَحٌ. وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَاءَ الْمَطَرِ يُطَهِّرُ الْأَرْضَ الَّتِي يُصِيبُهَا، وَغَالِبُ الْمَاءِ الَّذِي يُصَبُّ عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمَاءِ الَّذِي يَصُبُّهُ النَّاسُ لَا يَكُونُ عَنْ جَنَابَةٍ، وَلَا يَكُونُ مُتَغَيِّرًا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ الْحَوْضَ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مُحَقَّقَةٌ، أَوْ انْغَمَسَ فِيهِ جُنُبٌ، فَهَذَا مَاءٌ كَثِيرٌ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّك تَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحَيْضُ، وَلُحُومُ الْكِلَابِ، وَالنَّتْنُ فَقَالَ: الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» . قَالَ الْإِمَامُ: حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ صَحِيحٌ. وَفِي السُّنَنِ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِأَرْضِ الْفَلَاةِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ. فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute