وَلَا يَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» . وَقَالَ النَّبِيُّ: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ إلَّا بِالتَّقْوَى» . وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ بَلْ مَنْ تَأَمَّلَ غَالِبَ الِاسْتِثْنَاءَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي تَعَقَّبَتْ جُمَلًا وَجَدَهَا عَائِدَةً إلَى الْجَمِيعِ. هَذَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ. فَأَمَّا فِي الشُّرُوطِ وَالصِّفَاتِ فَلَا يَكَادُ يُحْصِيهَا إلَّا اللَّهُ.
وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ فَالْأَصْلُ إلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ.؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لَهُمَا حَقِيقَةً، فَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ، أَوْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِلْأَقَلِّ فَقَطْ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَاقِي مَجَازًا، وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ فَكَثْرَتُهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَإِذَا جُعِلَ حَقِيقَةً فِيمَا غَلَبَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، مَجَازًا فِيمَا قَلَّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ: كُنَّا قَدْ عَمِلْنَا بِالْأَصْلِ النَّافِي لِلِاشْتِرَاكِ، وَبِالْأَصْلِ النَّافِي لِلْمَجَازِ فِي صُوَرِ التَّفَاوُتِ. وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ مُطْلَقًا.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ نَصٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَلَيْسَ الْغَرَضُ هُنَا تَقْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَوَاضِعِ الْمَنْعِ. وَهَذَا الْبَحْثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَارِدٌ فِي كُلِّ تَخْصِيصٍ مُتَّصِلٍ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى عُمُومِ الْمَخْصُوصِ بِأَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِ الْمُخَصِّصِ؛ بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ؛ وَلِأَنَّ ذِكْرَ التَّخْصِيصِ عَقِبَ كُلِّ جُمْلَةٍ مُسْتَقْبَحٌ. فَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ لِذَوِي طَبَقَتِهِ، ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي عَلَى هَذَا الشَّرْطِ. لَعُدَّ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي غَيْرُهُ أَفْصَحُ مِنْهُ وَأَحْسَنُ. ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ نَازَعَنَا: وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ عَامَّةَ الْوَاقِفِينَ يَقْصِدُونَ الِاشْتِرَاطَ فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ؛ وَلَا يُعَبِّرُونَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمُسْتَغْرَبَةِ؛ بَلْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute