للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي تَبْلِيغِ مَا فِي نُفُوسِهِمْ لَمَا اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ.

وَاَللَّهُ يَشْهَدُ - وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا - أَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَتِنَا يَقِينِيٌّ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَسَالِكِ الْمَظْنُونِ؛ لَكِنَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْيَقِينَ عِنْدَ قَوْمٍ جَهْلًا عِنْدَ آخَرِينَ. وَيُعَدُّ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا تَكَلُّفًا. وَلَوْلَا أَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى ذَلِكَ بِظَنِّ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ لِمَنْ يُنَازِعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَعَلَّقًا، أَوْ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ [لَمَا أَطَلْنَا هَذِهِ الْإِطَالَةَ] .

فَإِنْ قِيلَ: الَّذِي يُرَجِّحُ عَوْدَ الضَّمِيرِ إلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ هُنَا: أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ عُطِفَتْ بِالْوَاوِ، وَعُطِفَ عَلَيْهَا بِالْوَاوِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ مُخَالَفَتَهَا لِحُكْمِ الْأُولَى فِي التَّرْتِيبِ؛ إذْ الْوَقْفُ هَاهُنَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْبُطُونِ، فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا مُسَمَّى الْوَقْفِيَّةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَالْكَيْفِيَّةُ مُخْتَلِفَةٌ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ اسْتِقْلَالَهَا بِنَفْسِهَا، وَاخْتِصَاصَهَا بِمَا يَعْقُبُهَا: فَإِنَّهُ إذَا تَخَلَّلَ الْجُمَلَ الْفَصْلُ بِشَرْطِ كُلِّ جُمْلَةٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ اخْتِصَاصَ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ حِينَئِذٍ. وَالِاخْتِلَافُ مَوْجُودٌ هَاهُنَا.

قِيلَ عَنْهُ وُجُوهٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: عُطِفَتْ بِالْوَاوِ، وَعُطِفَ عَلَيْهَا بِالْوَاوِ. يَقْتَضِي أَنَّهَا هِيَ لَفْظُ النَّسْلِ، فَإِنْ كَانَ لَفْظُ النَّسْلِ وَالْعَقِبِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَلَمْ يُعْطَفْ عَلَيْهَا فِي الْمَعْنَى شَيْءٌ. وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَيَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَى الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ؛ لَا الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا.

الثَّانِي: قَوْلُهُ: فَاقْتَضَى ذَلِكَ مُخَالَفَتَهَا لِلْأُولَى فِي حُكْمِ التَّرْتِيبِ. قَدْ تَقَدَّمَ مَنْعُ ذَلِكَ. وَذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَجْعَلُ هَذَا الْوَقْفَ مُرَتَّبًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ. لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِلتَّرْتِيبِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ التَّرْتِيبِ نَفَيْنَاهُ عِنْدَ الِانْطِلَاقِ فَلِمَا رُتِّبَ هُنَا فِي كَلَامِهِ الْأَوَّلِ - مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يُفَرِّقُ فِي مِثْلِ هَذَا، بَلْ يَكْتَفِي بِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا - كَانَ إعَادَةُ الشَّرْطِ تَسَمُّحًا؛ وَلَكِنَّ غَرَضَنَا هُنَا تَقْرِيرُ هَذَا.

الثَّالِثُ: [لَوْ] سَلَّمْنَا أَنَّهُ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ، فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>