اخْتِلَافَهُمَا فِي الْحُكْمِ الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَإِنَّ غَايَةَ مَا فِي هَذَا أَنَّهُ جَعَلَ الْبَطْنَ الرَّابِعَ وَمَا بَعْدَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كَمَا جَعَلَ فِي الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَلَدَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ.
وَالْوَلَدُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ طَبَقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يُرَتِّبْ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ الْأَسْنَانِ. فَقَوْلُهُ: فَاقْتَضَى ذَلِكَ مُخَالَفَتَهَا لِحُكْمِ الْأُولَى فِي التَّرْتِيبِ. فِيهِ إبْهَامٌ؛ فَإِنَّهُ إنْ عَنَى بِهِ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِهَا مُخَالِفَةٌ لِتِلْكَ الْجُمَلِ: فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ جُمْلَةٌ. فَإِنَّهَا حَاوِيَةٌ لِأَفْرَادِهَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ، لَا عَلَى سَبِيلِ التَّرْتِيبِ. وَإِنْ عُنِيَ بِهِ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَمْ يُرَتَّبْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَالْجُمْلَةُ الْأُولَى لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَى غَيْرِهَا. وَهَذَا إنَّمَا جَاءَ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهَا آخِرَ الْجُمَلِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِفَرْقٍ مُؤَثِّرٍ. كَمَا لَمْ يَكُنْ كَوْنُ الْأُولَى غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ فَرْقًا مُؤَثِّرًا.
وَإِنْ عُنِيَ بِهِ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى طَبَقَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ بِخِلَافِ الْجُمَلِ الْأُولَى فَذَلِكَ فَرْقٌ لَا يَعُودُ إلَى دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَلَا إلَى الْحُكْمِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ، مَعَ أَنَّ الْجُمَلَ الْأُولَى قَدْ يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ التَّفَاوُتِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ يَكُونُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ عِشْرِينَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ سَبْعُونَ سَنَةً، وَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ أَوْلَادٌ قَبْلَ وُجُودِ إخْوَتِهِ فَيَمُوتُ أَوْلَادُهُ، وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِ، وَأَوْلَادُ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ قَبْلَ انْقِرَاضِ إخْوَتِهِ. وَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ قَدْ بَقِيَ مِنْ النَّسْلِ وَالْعَقِبِ إلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ، فَيَنْقَرِضُونَ. ثُمَّ هَذِهِ فُرُوقٌ عَادَتْ إلَى الْمَوْجُودِ؛ لَا إلَى دَلَالَةِ اللَّفْظِ.
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا مُسَمَّى الْوَقْفِيَّةِ. قِيلَ: لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ أَصْلًا؛ بَلْ تَنَاوُلُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى لِأَفْرَادِهَا كَتَنَاوُلِ الثَّانِيَةِ لِأَفْرَادِهَا؛ لَكِنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ أَكْثَرُ فِي الْغَالِبِ. وَهَذَا غَيْرُ مُؤَثِّرٍ. وَقَوْلُهُ: الْكَيْفِيَّةُ مُخْتَلِفَةٌ. مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّ كَيْفِيَّةَ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ مِثْلُ كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّسْلِ وَالْعَقِبِ: يَشْتَرِكُ هَؤُلَاءِ فِيهِ، وَهَؤُلَاءِ فِيهِ.
الْخَامِسُ: لَوْ سُلِّمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا خَارِجًا عَنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعَطْفِ؛ فَإِنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي الْكَيْفِيَّةِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥] ؛ فَإِنَّ ذَوْقَ الْمَيِّتِ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا؛ لَكِنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَا دَلَالَةَ لِلَّفْظِ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الِاشْتِرَاكِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْعُمُومُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute