قَوْله تَعَالَى: {يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] إنَّ أَقَلَّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
الرَّابِعُ: لَوْ فُرِضَ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَنْعَ ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ؛ بَلْ لَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ؛ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَعَامَّةِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِجَوَازِ ذَلِكَ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا يَعْتَقِدُ هُوَ صِحَّتَهُ وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ؟ ،
الْخَامِسُ: أَنَّ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ أَنَّ النَّصَّ لَا يُدْفَعُ بِمُحْتَمَلٍ. تَقَدَّمَ جَوَابُهُ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا نَصَّ هُنَا؛ بَلْ يُدْفَعُ الْمُحْتَمَلُ بِالنَّصِّ. وَذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْبَحْثَ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ قُصِدَ بِهَذَا الشَّرْطِ نَفْيُ انْقِطَاعِ الْوَقْفِ، وَنَفْيُ اشْتِرَاكِ جَمِيعِ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ عَنْ: وَلَدِهِ. تَرْتِيبَ الْأَفْرَادِ.
فَإِنْ قِيلَ: عَوْدُهُ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الْوَقْفِ فِي الْوَسَطِ فَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَا يَنْفِي الِانْقِطَاعَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ لَا يُصْرَفُ نَصِيبَهُ إلَى الطَّبَقَةِ عَمَلًا بِمُوجَبِ الشَّرْطِ، وَلَا إلَى الْوَلَدِ عَمَلًا بِمُوجَبِ التَّرْتِيبِ الْمُطْلَقِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: إذَا جَعَلْنَاهُ مَبْنِيًّا لِتَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلِانْقِطَاعِ فَنُجِيبُ عَنْهُ بِالْبَحْثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الطَّبَقَةِ مُسْتَحَقٌّ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَلَا يُتْرَكُ بِمُتَرَدِّدٍ مُحْتَمَلٍ.
قِيلَ: أَوَّلًا هَذَا الْوَجْهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَذَا الْبَحْثِ، وَهُوَ إنَّمَا ذُكِرَ لِيَكُونَ مُؤَيِّدًا لَهُ، وَالْمُؤَيِّدُ لِلشَّيْءِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ، وَلَا يَكُونُ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ. فَإِذَا كَانَ الْوَجْهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِذَلِكَ الْبَحْثِ كَانَتْ صِحَّتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى صِحَّتِهِ، وَالْفَرْعُ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ أَصْلِهِ، وَلَا يُكْسِبُهُ قُوَّةً؛ بَلْ يَكُونُ تَقْوِيَةُ ذَلِكَ الْوَجْهِ بِهِ تَقْوِيَةَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute