الْمُصَادَرَةِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ فِيمَا مَضَى: فَقَدْ حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا.
ثُمَّ نَقُولُ: الِانْتِفَاعُ يَنْتَفِي مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَقْفَ مَحْصُورٌ فِي الْأَوْلَادِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ. فَإِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ إمَّا لِإِخْوَتِهِ، أَوْ لِبَنِيهِمْ، أَوْ لِبَنِيهِ، أَوْ لِعُمُومَتِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَقْتَضِي انْحِصَارَ الْوَقْفِ فِي الْأَوْلَادِ، ثُمَّ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ. وَهُمْ إمَّا ذُو طَبَقَتِهِ، أَوْ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ: عُمُومَتُهُ وَنَحْوُهُمْ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مَعَ وُجُودِ أَبِيهِ، وَمَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ: وَلَدُهُ وَوَلَدُ إخْوَتِهِ، وَطَبَقَتُهُمْ. فَأَمَّا طَبَقَتُهُ فَانْتَفَوْا بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ. وَأَمَّا بَنُوهُمْ فَانْتَفَوْا لِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ:
أَحَدُهَا: بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ؛ فَإِنَّ أَبَاهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ، وَإِلَى الْوَاقِفِ. فَإِذَا لَمْ يُنْقَلْ إلَى الْأَقْرَبِ فَإِلَى الْأَبْعَدِ أَوْلَى. وَالثَّانِي: أَنَّهُ سَوَاءٌ عَنَى بِالتَّرْتِيبِ تَرْتِيبَ الْمَجْمُوعِ، أَوْ تَرْتِيبَ الْأَفْرَادِ، لَا يَسْتَحِقُّونَ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ فَإِنَّ الطَّبَقَةَ الْعُلْيَا لَمْ تَنْقَرِضْ، وَآبَاؤُهُمْ لَمْ يَمُوتُوا. الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِمْ مَا هُمْ أَصْلٌ فِيهِ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ مَا هُمْ فُرُوعٌ فِيهِ. وَأَمَّا الْعُمُومَةُ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمَيِّتُ شَيْئًا مَعَ وُجُودِ عُمُومَتِهِ إلَّا عَلَى قَوْلِنَا فَفَرْضُ هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى رَأْيِ الْمُنَازِعِ مُحَالٌ.
وَإِذَا كَانَ وُجُودُ الْعُمُومَةِ مُسْتَلْزِمًا لِصِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ: فَمُحَالٌ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ مَا يُفْسِدُهُ؛ فَإِنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الشَّيْءِ وَفَسَادَهُ؛ لَكِنْ يُقَالُ: قَدْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوَّلًا لَمْ يُخَلِّفْ إلَّا إخْوَةً وَوَلَدًا، ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ عَنْ وَلَدٍ وَأَعْمَامِهِ. فَنَقُولُ: حِرْمَانُ الْإِخْوَةِ مَعَ الْوَلَدِ تَنْبِيهٌ عَلَى حِرْمَانِ الْعُمُومَةِ. وَهَذَا حَقِيقَةُ الْجَوَابِ: أَنَّ نَفْيَ إخْوَتِهِ تَنْبِيهٌ عَلَى نَفْيِ عُمُومَتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: - النَّافِي لِلِانْقِطَاعِ - أَنَّ إعْطَاءَ الْإِخْوَةِ نَصِيبَ الْمَيِّتِ دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْوَقْفِ تَنْبِيهٌ عَلَى إعْطَاءِ الْوَلَدِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمُتَقَدِّمَ: تَرْتِيبُ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا تَقْرِيرَ هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute