نَكْرَهُ لَهُ أَنْ يُلَبِّيَ إلَى أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِخِلَافِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ. وَمِثْلُ هَذَا وَاسِعٌ لَا يَنْضَبِطُ.
وَأَمَّا مَنْ خَالَفَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: فَهُمْ مُجْتَهِدُونَ قَالُوا بِمَبْلَغِ عِلْمِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ، وَهُمْ إذَا أَصَابُوا فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِذَا أَخْطَئُوا فَلَهُمْ أَجْرٌ، وَالْخَطَأُ مَحْطُوطٌ عَنْهُمْ، فَهُمْ مَعْذُورُونَ لِاجْتِهَادِهِمْ؛ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَبْلُغْهُمْ، وَمِنْ انْتَهَى إلَى مَا عُلِمَ فَقَدْ أَحْسَنَ.
فَأَمَّا مِنْ تَبْلُغُهُ السُّنَّةُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَتَبَيَّنَ لَهُ حَقِيقَةُ الْحَالِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ عُذْرٌ فِي أَنْ يَتَنَزَّهَ عَمَّا تَرَخَّصَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَرْغَبُ عَنْ سُنَّتِهِ لِأَجْلِ اجْتِهَادِ غَيْرِهِ. فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَقْوَامًا يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ لَا أُفْطِرُ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: فَأَنَا أَقُومُ، وَلَا أَنَامُ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ. فَقَالَ بَلْ أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ، يَرَوْنَ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَصِيَامِ النَّهَارِ، وَتَرْكِ النِّكَاحِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّيِّبَاتِ، أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، وَهُمْ فِي هَذَا إذَا كَانُوا مُجْتَهِدِينَ مَعْذُورِينَ. وَمَنْ عَلِمَ السُّنَّةَ فَرَغِبَ عَنْهَا، لِأَجْلِ اعْتِقَادِ أَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ إلَى هَذَا أَفْضَلُ، وَأَنَّ هَذَا الْهَدْيَ أَفْضَلُ مِنْ هَدْيِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا، بَلْ هُوَ تَحْتَ الْوَعِيدِ النَّبَوِيِّ بِقَوْلِهِ: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» .
وَفِي الْجُمْلَةِ: بَابُ الِاجْتِهَادِ وَالتَّأْوِيلِ بَابٌ وَاسِعٌ يَئُولُ بِصَاحِبِهِ إلَى أَنْ يَعْتَقِدَ الْحَرَامَ حَلَالًا، كَمَنْ تَأَوَّلَ فِي رِبَا الْفَضْلِ، وَالْأَنْبِذَةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا، وَحُشُوشِ النِّسَاءِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute