وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: نَتَنَزَّهُ عَنْ هَذَا لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِيهِ، فَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَنْ يَقُولُ الْمَاءُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ نَجَّسَتْهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا تَبْلُغُهُ النَّجَاسَةُ، وَيُقَدِّرُونَهُ بِمَا لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحَرُّكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ. وَهَلْ الْعِبْرَةُ بِحَرَكَةِ الْمُتَوَضِّئِ أَوْ بِحَرَكَةِ الْمُغْتَسِلِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَقَدَّرَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» .
ثُمَّ يَقُولُونَ إذَا تَنَجَّسَتْ الْبِئْرُ فَإِنَّهُ يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ مُقَدَّرَةٌ فِي بَعْضِ النَّجَاسَاتِ، وَفِي بَعْضِهَا تُنْزَحُ الْبِئْرُ كُلُّهَا، وَذَهَبَ بَعْضُ مُتَكَلِّمِيهِمْ إلَى أَنَّ الْبِئْرَ تُطَمُّ، فَهَذَا الِاخْتِلَافُ يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْمَاءِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ. قِيلَ لِهَذَا الْقَائِلِ: الِاخْتِلَافُ إنَّمَا يُورِثُ شُبْهَةً إذَا لَمْ تَتَبَيَّنْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا إذَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي شَيْءٍ، وَقَدْ كَرِهَ أَنْ نَتَنَزَّهَ عَمَّا تَرَخَّصَ فِيهِ، وَقَالَ لَنَا: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ: فَإِنْ تَنَزَّهْنَا عَنْهُ عَصَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ نُرْضِيَهُ.
وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُغْضِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشُبْهَةٍ وَقَعَتْ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَمَا كَانَ عَامُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَكُنَّا نَكْرَهُ لِمَنْ أَرْسَلَ هَدْيًا أَنْ يَسْتَبِيحَ مَا يَسْتَبِيحُهُ الْحَلَالُ لِخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَكِنَّا نَسْتَحِبُّ لِلْجُنُبِ إذَا صَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ لِخِلَافِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَكِنَّا نَكْرَهُ تَطَيُّبَ الْمُحْرِمِ قَبْلَ الطَّوَافِ لِخِلَافِ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَمَالِكٍ، وَلَكِنَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute