وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْفَى مِنْ ذَلِكَ عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، كَمَا يُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَمَنْ حَكَمَ بِنَجَاسَةِ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْفُ عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، فَقَوْلُهُ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ، هَذَا إذَا كَانَ الْوُقُودُ نَجِسًا.
فَأَمَّا الطَّاهِرُ: كَالْخَشَبِ وَالْقَصَبِ، وَالشَّوْكِ فَلَا يُؤَثِّرُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ أَرْوَاثُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْحَمَّامِ مِمَّا يَفِيضُ وَيَنْزِلُ مِنْ أَبْدَانِ الْمُغْتَسِلِينَ غُسْلَ النَّظَافَةِ وَغُسْلَ الْجَنَابَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْغُسْلِ كَالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَالْأُشْنَانِ مَا فِيهِ إلَّا إذَا عُلِمَ فِي بَعْضِهِ بَوْلٌ أَوْ قَيْءٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ، فَذَلِكَ الْمَاءُ الَّذِي خَالَطَتْهُ هَذِهِ النَّجَاسَاتُ لَهُ حُكْمُهُ، وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ، لَا سِيَّمَا وَهَذِهِ الْمِيَاهُ جَارِيَةٌ بِلَا رَيْبٍ، بَلْ مَاءُ الْحَمَّامِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إذَا كَانَ الْحَوْضُ فَائِضًا فَإِنَّهُ جَارٍ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَكُونُ فِي الْأَنْهَارِ مِنْ حُفْرَةٍ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ هَذَا الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ الْجَرَيَانُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَذْهَبُ وَيَأْتِي مَا بَعْدَهُ لَكِنْ يُبْطِئُ ذَهَابُهُ بِخِلَافِ الَّذِي يَجْرِي جَمِيعُهُ.
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَشْدِيدِهِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ مُحَقِّقِي أَصْحَابِهِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَالدَّائِمِ، فَتُعْتَبَرُ الْجِرْيَةُ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ الدَّائِمِ وَالْجَارِي فِي نَهْيِهِ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ وَالْبَوْلِ فِيهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْجَارِيَ إذَا لَمْ تُغَيِّرْهُ النَّجَاسَةُ فَلَا وَجْهَ لِنَجَاسَتِهِ. وَقَوْلُهُ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» .
إنَّمَا دَلَّ عَلَى مَا دُونَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute