للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمَفْهُومِ، وَالْمَفْهُومُ لَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يَحْمِلُ الْخَبَثَ، بَلْ إذَا فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ دَائِمٍ وَجَارٍ؛ أَوْ إذَا كَانَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَحْمِلُ الْخَبَثَ كَانَ الْحَدَثُ مَعْمُولًا بِهِ.

فَإِذَا كَانَ طَاهِرًا بِيَقِينٍ، وَلَيْسَ فِي نَجَاسَتِهِ نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ، وَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَى طَهَارَتِهِ مَعَ بَقَاءِ صِفَاتِهِ، وَإِذَا كَانَ حَوْضُ الْحَمَّامِ الْفَائِضِ إذَا كَانَ قَلِيلًا وَوَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ، أَوْ دَمٌ أَوْ عَذِرَةٌ، وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، لَمْ يُنَجِّسْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، فَكَيْفَ بِالْمَاءِ الَّذِي جَمِيعُهُ يَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْحَمَّامِ، فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، لَمْ يَنْجُسْ، وَهَذَا يَتَّضِحُ بِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ الْأَرْضَ، وَإِنْ كَانَتْ تُرَابًا، أَوْ غَيْرَ تُرَابٍ، إذَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ مِنْ بَوْلٍ، أَوْ عَذِرَةٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا؛ فَإِنَّهُ إذَا صُبَّ الْمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فَالْمَاءُ وَالْأَرْضُ طَاهِرَانِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ الْمَاءُ فِي مَذْهَبِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، فَكَيْفَ بِالْبَلَاطِ؟ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ السَّطْحَ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَأَصَابَهُ مَاءُ الْمَطَرِ، حَتَّى أَزَالَ عَيْنَهَا، كَانَ مَا يَنْزِلُ مِنْ الْمَيَازِيبِ طَاهِرًا، فَكَيْفَ بِأَرْضِ الْحَمَّامِ؟ فَإِذَا كَانَ بِهَا بَوْلٌ، أَوْ قَيْءٌ فَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ حَتَّى ذَهَبَتْ عَيْنُهُ كَانَ الْمَاءُ وَالْأَرْضُ طَاهِرَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ الْمَاءُ؛ فَكَيْفَ إذَا جَرَى وَزَالَ عَنْ مَكَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَكَرْنَا بِضْعَةَ عَشَرَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمَهُ وَرَوْثِهِ، فَإِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً فَكَيْفَ بِالْمُسْتَحِيلِ مِنْهَا أَيْضًا، وَطَهَارَةُ هَذِهِ الْأَرْوَاثِ بَيِّنَةٌ فِي السُّنَّةِ فَلَا يُجْعَلُ الْخِلَافُ فِيهَا شُبْهَةً يُسْتَحَبُّ لِأَجْلِهِ اتِّقَاءُ مَا خَالَطَتْهُ، إذْ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُلَابِسُونَهَا.

وَأَمَّا رَوْثُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ: كَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، فَهَذِهِ نَجِسَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى طَهَارَتِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَنْجُسُ مِنْ الْأَرْوَاثِ، وَالْأَبْوَالِ إلَّا بَوْلُ الْآدَمِيِّ وَعَذِرَتُهُ، لَكِنْ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ إذَا شَكَّ فِي الرَّوْثَةِ: هَلْ هِيَ مِنْ رَوْثِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِنْ رَوْثِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَفِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، هُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>