أَحَدُهُمَا: يَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَرْوَاثِ النَّجَاسَةُ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ. وَدَعْوَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَرْوَاثِ النَّجَاسَةُ مَمْنُوعٌ، فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ لَا نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَمَنْ ادَّعَى أَصْلًا بِلَا نَصٍّ، وَلَا إجْمَاعٍ فَقَدْ أَبْطَلَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا الْقِيَاسُ فَرَوْثُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ، فَكَيْفَ يَدَّعِي أَنَّ الْأَصْلَ نَجَاسَةُ الْأَرْوَاثِ؟ إذَا عَرَفَ ذَلِكَ، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْوُقُودَ نَجِسٌ، فَالدُّخَانُ مِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِحَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إذَا تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ فِيهِ نَجَسٌ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ فِيهِ رَوْثًا، وَشَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ فَالصَّحِيحُ الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ.
وَإِنْ عَلِمَ اشْتِمَالَهُ عَلَى طَاهِرٍ وَنَجِسٍ، وَقُلْنَا بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَحِيلِ عَنْهُ كَانَ لَهُ حُكْمُهُ فِيمَا يُصِيبُ بَدَنَ الْمُغْتَسِلِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الطَّاهِرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ النَّجِسِ، فَلَا يَنْجُسُ بِالشَّكِّ، كَمَا لَوْ أَصَابَهُ بَعْضُ رَمَادِ مِثْلِ هَذَا الْوُقُودِ، فَإِنَّا لَا نَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ الْبَدَنِ بِذَلِكَ، وَإِنْ تَيَقَّنَّا أَنَّ فِي الْوُقُودِ نَجَسًا، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّمَادُ غَيْرَ نَجَسٍ، وَالْبَدَنُ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ فَلَا نَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ بِالشَّكِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْتَلِطْ الرَّمَادُ النَّجِسُ بِالطَّاهِرِ، أَوْ الْبُخَارُ النَّجِسُ بِالطَّاهِرِ.
فَأَمَّا إذَا اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، فَمَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَلَكِنْ الْوُقُودُ فِي مَقَرِّهِ لَا يَكُونُ مُخْتَلِطًا، بَلْ رَمَادُ كُلِّ نَجَاسَةٍ يَبْقَى فِي حَيِّزِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اشْتَبَهَ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ: كَاشْتِبَاهِ أُخْتِهِ بِأَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ الْمَيْتَةِ بِالْمُذَكَّى، اجْتَنَبَهُمَا جَمِيعًا. وَلَوْ اشْتَبَهَ الْمَاءُ الطَّاهِرُ بِالنَّجَسِ: فَقِيلَ: يَتَحَرَّى لِلطَّهَارَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ النَّجَسُ نَجَسَ الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ بَوْلًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ: وَقِيلَ: لَا يَتَحَرَّى بَلْ يَجْتَنِبُهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَوْلًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
وَقِيلَ: يَتَحَرَّى إذَا كَانَتْ الْآنِيَةُ أَكْبَرَ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute