أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَفِي تَقْدِيرِ الْكَبِيرِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ، فَهُنَا أَيْضًا اشْتَبَهَتْ الْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ بِالطَّاهِرَةِ، فَاشْتَبَهَ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ. قِيلَ: هَذَا صَحِيحٌ، وَلَكِنْ مَسْأَلَتُنَا لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ اجْتَنَبَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُمَا لَزِمَ اسْتِعْمَالُ الْحَرَامِ قَطْعًا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَاطِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ: كَالنَّجَاسَةِ إذَا ظَهَرَتْ فِي الْمَاءِ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ أَحَدَهُمَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ كَانَ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ، وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ، فَلَيْسَ اسْتِعْمَالُ هَذَا بِأَوْلَى مِنْ هَذَا، فَيُجْتَنَبَانِ جَمِيعًا.
وَأَمَّا اشْتِبَاهُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ، فَإِنَّمَا نَشَأَ فِيهِ النِّزَاعُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالطَّهُورِ وَاجِبَةٌ، وَبِالنَّجَسِ حَرَامٌ، فَقَدْ اشْتَبَهَ وَاجِبٌ بِحَرَامٍ. وَاَلَّذِينَ مَنَعُوا التَّحَرِّيَ قَالُوا: اسْتِعْمَالُ النَّجِسِ حَرَامٌ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الطَّهُورِ فَإِنَّمَا يَجِبُ مَعَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ هُنَا. وَلِهَذَا تَنَازَعُوا: هَلْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْدَمَ الطَّهُورَ بِخَلْطٍ أَوْ إرَاقَةٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ كَالْعَجْزِ. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا جَوَّزَ التَّحَرِّيَ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِمَا الطَّهَارَةَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ اسْتَعْمَلَ مَا أَصْلُهُ طَاهِرٌ وَقَدْ شَكَّ فِي تَنَجُّسِهِ فَيَبْقَى الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ.
وَاَلَّذِينَ نَازَعُوهُ قَالُوا: مَا صَارَ نَجِسًا بِالتَّغَيُّرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نَجِسِ الْأَصْلِ قَدْ زَالَ الِاسْتِصْحَابُ بِيَقِينِ النَّجَاسَةِ كَمَا لَوْ حُرِّمَتْ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِرَضَاعٍ، أَوْ طَلَاقٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكُونُ مُحَرَّمَةَ الْأَصْلِ عِنْدَهُ، وَمَسْأَلَةُ اشْتِبَاهِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ ذَاتُ فُرُوعٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
وَأَمَّا إذَا اشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ، وَقُلْنَا يَتَحَرَّى أَوْ لَا يَتَحَرَّى، فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ عَلَى بَدَنِ الْإِنْسَانِ، أَوْ ثَوْبِهِ، أَوْ طَعَامِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحَدِهِمَا: لَا يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute