للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الشِّطْرَنْجَ مَتَى شَغَلَ عَمَّا يَجِبُ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَشَغْلُهُ عَنْ إكْمَالِ الْوَاجِبَاتِ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى بَسْطٍ.

وَكَذَلِكَ لَوْ شَغَلَ عَنْ وَاجِبٍ مِنْ غَيْرِ الصَّلَاةِ مِنْ مَصْلَحَةِ النَّفْسِ أَوْ الْأَهْلِ، أَوْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، أَوْ صِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، أَوْ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ مِنْ نَظَرٍ فِي وِلَايَةٍ أَوْ إمَامَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ، وَقَلَّ عَبْدٌ اشْتَغَلَ بِهَا إلَّا شَغَلَتْهُ عَنْ وَاجِبٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى مُحَرَّمٍ أَوْ اسْتَلْزَمَتْ مُحَرَّمًا. فَإِنَّهَا تَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ، مِثْلَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْكَذِبِ وَالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، أَوْ الْخِيَانَةِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمُغَاضَاةَ أَوْ عَلَى الظُّلْمِ، أَوْ الْإِعَانَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ فِي الشِّطْرَنْجِ، وَالنَّرْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إذَا قُدِّرَ أَنَّهَا مُسْتَلْزِمَةٌ فَسَادًا غَيْرَ ذَلِكَ مِثْلَ اجْتِمَاعٍ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْفَوَاحِشِ، أَوْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْعُدْوَانِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ مِثْلَ أَنْ يُفْضِيَ اللَّعِبُ بِهَا إلَى الْكَثْرَةِ وَالظُّهُورِ الَّذِي يُشْتَمَلُ مَعَهُ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ فَهَذِهِ الصُّوَرُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا يَتَّفِقُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهَا فِيهَا. وَإِذَا قُدِّرَ خُلُوُّهَا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الصَّحَابَةِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، وَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؟ شَبَّهَهُمْ بِالْعَاكِفِينَ عَلَى الْأَصْنَامِ، كَمَا فِي الْمُسْنَدِ عَنْ «النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ» .

وَالْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ قَرِينَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْهَا مَعْرُوفٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْحَابِهِ تَحْرِيمُهَا. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ اللَّعِبَ بِهَا لِلْخَبَرِ، وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالْحَمَامِ بِغَيْرِ قِمَارٍ وَإِنْ كَرِهْنَاهُ أَخَفُّ حَالًا مِنْ النَّرْدِ، وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ مِمَّا مَضْمُونُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>