للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسَمَّى بِهَا مَنْ قَامَ بِهِ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى بِالْحَيِّ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَيَاةُ، وَبِالْمُتَحَرِّكِ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَرَكَةُ، وَبِالْعَالِمِ مَنْ قَامَ بِهِ الْعِلْمُ، وَبِالْقَادِرِ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ.

فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُسَمَّى بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَنَحْوِهِ مِنْ الصِّفَاتِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاعْتِبَارِ فِي جَمِيعِ النَّظَائِرِ، وَذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ وَنَحْوَهُ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ هُوَ مُرَكَّبٌ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَعَلَى الصِّفَةِ، وَالْمُرَكَّبُ يَمْتَنِعُ تَحَقُّقُهُ بِدُونِ تَحَقُّقِ مُفْرَدَاتِهِ.

وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ، فَكَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ، مِثْلُ تَكَلَّمَ وَكَلَّمَ وَيَتَكَلَّمُ وَيُكَلِّمُ، وَعَلِمَ وَيَعْلَمُ، وَسَمِعَ وَيَسْمَعُ، وَرَأَى وَيَرَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ سَوَاءٌ قِيلَ إنَّ الْفِعْلَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمَصْدَرِ أَوْ الْمَصْدَرَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْفِعْلِ، لَا نِزَاعَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ فَاعِلَ الْفِعْلِ هُوَ فَاعِلُ الْمَصْدَرِ، فَإِذَا قِيلَ كَلَّمَ وَعَلِمَ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ تَعَلَّمَ، فَفَاعِلُ التَّكْلِيمِ وَالتَّعْلِيمِ هُوَ الْمُكَلِّمُ وَالْمُعَلِّمُ، وَكَذَلِكَ التَّعَلُّمُ وَالتَّكَلُّمُ، وَالْفَاعِلُ هُوَ الَّذِي قَامَ بِهِ الْمَصْدَرُ الَّذِي هُوَ التَّكْلِيمُ وَالتَّعْلِيمُ، وَالتَّكَلُّمُ وَالتَّعَلُّمُ، فَإِذَا قِيلَ تَكَلَّمَ فُلَانٌ، أَوْ كَلَّمَ فُلَانٌ فُلَانًا فَفُلَانٌ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ وَالْمُكَلِّمُ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤] ، وَقَوْلُهُ: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: ٢٥٣] وَقَوْلُهُ: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: ١٤٣] يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُكَلِّمُ، فَكَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ قَائِمٍ بِغَيْرِهِ، يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ كَلَّمَ بِكَلَامٍ قَائِمٍ بِغَيْرِهِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَهْمِيَّةَ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ كَلَامٍ خَلَقَهُ اللَّهُ كَلَامًا لَهُ، إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْقُرْآنِ كَلَامَ اللَّهِ إلَّا كَوْنُهُ خَلَقَهُ، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ كَلَامًا وَلَوْ فِي غَيْرِهِ كَانَ مُتَكَلِّمًا بِهِ عِنْدَهُمْ، وَلَيْسَ لِلْكَلَامِ عِنْدَهُمْ مَدْلُولٌ يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى لَوْ كَانَ مَدْلُولٌ قَائِمٌ يَدُلُّ لِكَوْنِهِ خَلَقَ صَوْتًا فِي مَحَلٍّ، وَالدَّلِيلُ يَجِبُ طَرْدُهُ.

فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَوْتٍ بِخَلْقِهِ لَهُ لِذَلِكَ، وَهُمْ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْتُ الْمَخْلُوقُ عَلَى جَمِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>