وَلَفْظُ الْوُصُولِ لَفْظٌ مُجْمَلٌ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ سَالِكٍ إلَّا وَلَهُ غَايَةٌ يَصِلُ إلَيْهَا.
وَإِذَا قِيلَ: وَصَلَ إلَى اللَّهِ أَوْ إلَى تَوْحِيدِهِ أَوْ مَعْرِفَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَفِي ذَلِكَ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمُتَنَوِّعَةِ وَالدَّرَجَاتِ الْمُتَبَايِنَةِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَيَأْسُ الْإِنْسَانِ أَنْ يَصِلَ إلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ كَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجُوَ ذَلِكَ وَيَطْمَعَ فِيهِ، لَكِنْ مَنْ رَجَا شَيْئًا يَطْلُبُهُ، وَمَنْ خَافَ مِنْ شَيْءٍ هَرَبَ مِنْهُ، وَإِذَا اجْتَهَدَ وَاسْتَعَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
وَلَازَمَ الِاسْتِغْفَارَ وَالِاجْتِهَادَ.
فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ مَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالٍ.
وَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا يَنْشَرِحُ صَدْرُهُ.
وَلَا يَحْصُلُ لَهُ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ وَنُورُ الْهِدَايَةِ.
فَلْيُكْثِرْ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ.
وَلْيُلَازِمْ الِاجْتِهَادَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] ، وَعَلَيْهِ بِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
وَلُزُومُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ مُتَبَرِّئًا مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَّا بِهِ.
فَفِي الْجُمْلَةِ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَيْأَسَ.
بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجُوَ رَحْمَةَ اللَّهِ.
كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ لَا يَيْأَسَ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَخَافَ عَذَابَهُ.
قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: ٥٧] .
قَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ عَبَدَ اللَّهُ بِالْحُبِّ وَحْدَهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ.
وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْخَوْفِ وَحْدَهُ فَهُوَ حَرُورِيٌّ.
وَمَنْ عَبَدَهُ بِالرَّجَاءِ وَحْدَهُ فَهُوَ مُرْجِئٌ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْحُبِّ وَالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُوَحِّدٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ " مَتَى أَصِلُ إلَى طَرِيقِ الرَّاجِينَ وَأَنَا مُقِيمٌ فِي حِيرَةِ الْمُتَحَيِّرِينَ " فَهَذَا إخْبَارٌ مِنْهُ عَنْ حَالٍ مَذْمُومٍ هُوَ فِيهَا، كَمَا يُخْبِرُ الرَّجُلُ عَنْ نَقْصِ إيمَانِهِ وَضَعْفِ عِرْفَانِهِ، وَرَيْبٍ فِي يَقِينِهِ، وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا مِمَّا يُطْلَبُ، بَلْ هُوَ مِمَّا يُسْتَعَاذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ إنَّهُ قَالَ: الْعَارِفُ كُلَّمَا انْتَقَلَ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ اسْتَقْبَلَتْهُ الدَّهْشَةُ وَالْحِيرَةُ، فَهَذَا قَدْ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كُلَّمَا انْتَقَلَ إلَى مَقَامٍ مِنْ الْمَعْرِفَةِ