قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فِيمَا حَدَّثَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ» ، فَقَالَ أَحْمَدُ: هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ مَعْمَرٌ بِالْبَصْرَةِ، وَحَدَّثَهُمْ بِالْبَصْرَةِ مِنْ حِفْظِهِ، وَحَدَّثَ بِهِ بِالْيَمَنِ، عَنْ الزُّهْرِيِّ بِالِاسْتِقَامَةِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: مَا حَدَّثَ بِهِ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ بِالْبَصْرَةِ فَفِيهِ أَغَالِيطُ، وَهُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ الَّذِينَ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: هُمْ الْبَصْرِيُّونَ: كَعَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، وَعَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى السَّامِيِّ.
وَالِاضْطِرَابُ فِي الْمَتْنِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ هَذَا يَقُولُ: إنْ كَانَ ذَائِبًا أَوْ مَائِعًا لَمْ يُؤْكَلْ، وَهَذَا يَقُولُ: وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَنْتَفِعُوا بِهِ، وَاسْتَصْبِحُوا بِهِ، وَهَذَا يَقُولُ: فَلَا تَقْرَبُوهُ، وَهَذَا يَقُولُ: فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤْخَذَ وَمَا حَوْلَهَا فَيُطْرَحُ. فَأَطْلَقَ الْجَوَابَ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّفْصِيلَ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يَرَوْهُ مِنْ كِتَابٍ بِلَفْظٍ مَضْبُوطٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ بِحَسَبِ مَا ظَنَّهُ مِنْ الْمَعْنَى فَغَلِطَ.
وَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْقَلِيلِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ: كَالسَّمْنِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ السَّائِلِ سَمْنٌ فَوْقَ قُلَّتَيْنِ يَقَعُ فِيهِ فَأْرَةٌ حَتَّى يُقَالَ فِيهِ: تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الْحَالِ، مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ، يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ. بَلْ السَّمْنُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي أَوْعِيَتِهِمْ يَكُونُ فِي الْغَالِبِ قَلِيلًا، فَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَمْ يَدُلَّ إلَّا عَلَى نَجَاسَةِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّ الْمَائِعَاتِ الْكَثِيرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهَا: لَا نَصٌّ صَحِيحٌ، وَلَا ضَعِيفٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ. وَعُمْدَةُ مَنْ يُنَجِّسُهُ يَظُنُّ أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَاءٍ أَوْ مَائِعٍ، سَرَتْ فِيهِ كُلِّهِ فَنَجَّسَتْهُ، وَقَدْ عُرِفَ فَسَادُ هَذَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِطَرْدِهِ، فَإِنَّ طَرْدَهُ يُوجِبُ نَجَاسَةَ الْبَحْرِ، بَلْ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute