شَاءَ أَجَازَهَا فَإِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُ، وَالشَّارِعُ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا لِحَقٍّ مُخْتَصٍّ بِاَللَّهِ كَمَا نَهَى عَنْ الْفَوَاحِشِ، بَلْ هَذِهِ إذَا عَلِمَ الْمَظْلُومُ بِالْحَالِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ، وَيَعْلَمَ السِّعْرَ إذَا كَانَ قَادِمًا بِالسِّلْعَةِ وَيَرْضَى بِأَنْ يَغْبِنَهُ الْمُتَلَقِّي جَازَ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ إنْ رَضِيَ أَجَازَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ غَيْرَ لَازِمٍ بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ، إنْ شَاءَ أَجَازَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ بَيْعِ الْمَعِيبِ مِمَّا فِيهِ الرِّضَا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ الْعَيْبِ فَإِذَا فُقِدَ الشَّرْطُ بَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ، فَهُوَ لَازِمٌ إنْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ، وَغَيْرُ لَازِمٍ إنْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَا الْمُجِيزِ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ بِوَقْفِ الْعُقُودِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِ أَحْمَدَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِهِ: كَالْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.
إذْ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا النَّوْعَ يَحْسِبُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا نُهِيَ عَنْهُ، ثُمَّ تَقُولُ طَائِفَةٌ: وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ فَالنَّهْيُ لَا يَجِبُ أَنْ يَقْتَضِيَ الْفَسَادَ، وَتَقُولُ طَائِفَةٌ: بَلْ هَذَا فَاسِدٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ بَيْعَ النَّجْشِ إذَا نَجَشَ الْبَائِعُ أَوْ وَاطَأَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ نِكَاحَ الْخَاطِبِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَبَيْعَهُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ بَيْعَ الْمَعِيبِ الْمُدَلَّسِ فَلَمَّا عُورِضَ بِالْمُصَرَّاةِ تَوَقَّفَ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ نِكَاحَ الْخَاطِبِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ مُطْلَقًا، وَبَيْعَ النَّجْشِ بِلَا خِيَارٍ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ لَمْ يَكُنْ النَّهْيُ فِيهِ لِحَقِّ اللَّهِ كَنِكَاحِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَبَيْعِ الرِّبَا، بَلْ لِحَقِّ الْإِنْسَانِ، بِحَيْثُ لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ يَنْجُشُ وَرَضِيَ بِذَلِكَ جَازَ، وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ يَنْجُشُ، وَكَذَلِكَ الْمَخْطُوبَةُ مَتَى أَذِنَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ فِيهَا جَازَ.
وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ هُنَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ لَمْ يَجْعَلْهُ الشَّارِعُ صَحِيحًا لَازِمًا كَالْحَلَالِ، بَلْ أَثْبَتَ حَقَّ الْمَظْلُومِ وَسَلَّطَهُ عَلَى الْخِيَارِ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَى وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، فَالْمُشْتَرِي مَعَ النَّجْشِ إنْ شَاءَ رَدَّ الْمَبِيعَ، فَحَصَلَ بِهَذَا مَقْصُودُهُ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ إذَا عَلِمَ بِالنَّجَشِ.
فَأَمَّا كَوْنُهُ فَاسِدًا مَرْدُودًا، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ فَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَالْمُدَلِّسِ، وَالْمُصَرَّاةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَخْطُوبَةُ إنْ شَاءَ الْخَاطِبُ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute