للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ مَا شَرَعَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي صَلَاتِهِمْ وَآذَانِهِمْ وَحَجِّهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ بِالْجُمْلَةِ التَّامَّةِ كَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ.

أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَقَوْلِ الْمُصَلِّي: اللَّهُ أَكْبَرُ. سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ. سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى. سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. وَقَوْلِ الْمُلَبِّي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.

فَجَمِيعُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الذِّكْرِ إنَّمَا هُوَ كَلَامٌ تَامٌّ لَا اسْمٌ مُفْرَدٌ لَا مُظْهَرٌ وَلَا مُضْمَرٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ كَلِمَةً، كَقَوْلِهِ: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ. ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ. حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ»

وَقَوْلِهِ: «أَفْضَلُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ» وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [الكهف: ٥] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} [الأنعام: ١١٥] وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ لَفْظُ الْكَلِمَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَلْ وَسَائِرِ كَلَامِ الْعَرَبِ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْجُمْلَةُ التَّامَّةُ، كَمَا كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْحَرْفَ فِي الِاسْمِ، فَيَقُولُونَ: هَذَا حَرْفٌ غَرِيبٌ أَيْ لَفْظُ الِاسْمِ غَرِيبٌ.

وَقَسَّمَ سِيبَوَيْهِ الْكَلَامَ إلَى اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ جَاءَ لِمَعْنًى، لَيْسَ بِاسْمٍ وَفِعْلٍ.

وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ يُسَمَّى حَرْفًا لَكِنَّ خَاصَّةَ الثَّالِثِ أَنَّهُ حَرْفٌ جَاءَ لِمَعْنًى لَيْسَ بِاسْمٍ وَلَا فِعْلٍ؛ وَسُمِّيَ حُرُوفُ الْهِجَاءِ بِاسْمِ الْحَرْفِ وَهِيَ أَسْمَاءٌ، وَلَفْظُ الْحَرْفِ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ وَغَيْرَهَا؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ: أَمَا إنِّي لَا أَقُولُ: {الم} [البقرة: ١] حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» وَقَدْ سَأَلَ الْخَلِيلُ أَصْحَابَهُ عَنْ النُّطْقِ بِحَرْفِ الزَّايِ مِنْ زَيْدٍ فَقَالُوا: زَايٌ، فَقَالَ: جِئْتُمْ بِالِاسْمِ، وَإِنَّمَا الْحَرْفُ " ز ".

ثُمَّ إنَّ النُّحَاةَ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الْمُسَمَّى فِي اللُّغَةِ بِالْحَرْفِ يُسَمَّى كَلِمَةً، وَأَنَّ لَفْظَ الْحَرْفِ يُخَصُّ لِمَا جَاءَ لِمَعْنًى، لَيْسَ بِاسْمٍ وَلَا فِعْلٍ، كَحُرُوفِ الْجَرِّ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا أَلْفَاظُ حُرُوفِ الْهِجَاءِ فَيُعَبَّرُ تَارَةً بِالْحَرْفِ عَنْ نَفْسِ الْحَرْفِ مِنْ اللَّفْظِ، وَتَارَةً بِاسْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>