للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ الْحَرْفِ، وَلَمَّا غَلَبَ هَذَا الِاصْطِلَاحُ صَارَ يَتَوَهَّمُ مَنْ اعْتَادَهُ أَنَّهُ هَكَذَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ لَفْظَ الْكَلِمَةِ فِي اللُّغَةِ لَفْظًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الِاسْمِ مَثَلًا وَبَيْنَ الْجُمْلَةِ، وَلَا يَعْرِفُ فِي صَرِيحِ اللُّغَةِ مِنْ لَفْظِ الْكَلِمَةِ إلَّا الْجُمْلَةَ التَّامَّةَ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ هُوَ ذِكْرُهُ " بِجُمْلَةٍ تَامَّةٍ " وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْكَلَامِ، وَالْوَاحِدُ مِنْهُ بِالْكَلِمَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْفَعُ الْقُلُوبَ، وَيَحْصُلُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْأَجْرُ، وَالْقُرْبُ إلَى اللَّهِ وَمَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَخَشْيَتُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ وَالْمَقَاصِدِ السَّامِيَةِ.

وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى " الِاسْمِ الْمُفْرَدِ " مُظْهَرًا أَوْ مُضْمَرًا فَلَا أَصْلَ لَهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصَّةِ وَالْعَارِفِينَ، بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ وَذَرِيعَةٌ إلَى تَصَوُّرَاتِ أَحْوَالٍ فَاسِدَةٍ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ، وَأَهْلِ الِاتِّحَادِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَجِمَاعُ الدِّينِ " أَصْلَانِ " أَنْ لَا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ، وَلَا نَعْبُدَهُ إلَّا بِمَا شَرَعَ، لَا نَعْبُدَهُ بِالْبِدَعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠] .

وَذَلِكَ تَحْقِيقُ " الشَّهَادَتَيْنِ ": شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَشَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

فَفِي الْأُولَى أَنْ لَا نَعْبُدَ إلَّا إيَّاهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا هُوَ رَسُولُهُ الْمُبَلِّغُ عَنْهُ.

فَعَلَيْنَا أَنْ نُصَدِّقَ خَبَرَهُ وَنُطِيعَ أَمْرَهُ، وَقَدْ بَيَّنَ لَنَا مَا نَعْبُدُ اللَّهَ بِهِ، وَنَهَانَا عَنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا ضَلَالَةٌ.

قَالَ تَعَالَى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ١١٢] .

كَمَا أَنَّا مَأْمُورُونَ أَنْ لَا نَخَافَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نَتَوَكَّلُ إلَّا عَلَى اللَّهِ، وَلَا نَرْغَبُ إلَّا إلَى اللَّهِ، وَلَا نَسْتَعِينُ إلَّا بِاَللَّهِ: وَأَنْ لَا تَكُونَ عِبَادَتُنَا إلَّا لِلَّهِ، فَكَذَلِكَ نَحْنُ مَأْمُورُونَ أَنْ نَتَّبِعَ الرَّسُولَ وَنُطِيعَهُ وَنَتَأَسَّى بِهِ، فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: ٥٩] فَجَعَلَ الْإِيتَاءَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، كَمَا قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>