وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا} [الفرقان: ٢٧] {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا} [الفرقان: ٢٨] {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا} [الفرقان: ٢٩] .
فَالرَّسُولُ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَّعَهُ، وَمَنْ سِوَى الرَّسُولِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْمُلُوكِ إنَّمَا تَجِبُ طَاعَتُهُمْ إذَا كَانَتْ طَاعَتُهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ، وَهُمْ إذَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِطَاعَتِهِمْ فَطَاعَتُهُمْ دَاخِلَةٌ فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩] .
فَلَمْ يَقُلْ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأَطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ؛ بَلْ جَعَلَ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ دَاخِلَةً فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ؛ وَطَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَةً لِلَّهِ، وَأَعَادَ الْفِعْلَ فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ دُونَ طَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ؛ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إذَا أَمَرَهُ الرَّسُولُ بِأَمْرٍ أَنْ يَنْظُرَ هَلْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْ لَا، بِخِلَافِ أُولِي الْأَمْرِ فَإِنَّهُمْ قَدْ يَأْمُرُونَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَطَاعَهُمْ مُطِيعًا لِلَّهِ، بَلْ لَا بُدَّ فِيمَا يَأْمُرُونَ بِهِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ، وَيَنْظُرُ هَلْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْ لَا، سَوَاءٌ كَانَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْأُمَرَاءِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا تَقْلِيدُ الْعُلَمَاءِ وَطَاعَةُ أُمَرَاءِ السَّرَايَا وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَبِهَذَا يَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ قَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: ٣٩] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمَّا قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً. فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يُحِبُّ خَلِيفَةً أَوْ عَالِمًا أَوْ شَيْخًا أَوْ أَمِيرًا فَيَجْعَلُهُ نِدًّا لِلَّهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقُولُ: إنَّهُ يُحِبُّهُ لِلَّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute