فَمَنْ جَعَلَ غَيْرَ الرَّسُولِ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ، وَإِنْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَدْ جَعَلَهُ نِدًّا، وَرُبَّمَا صَنَعَ بِهِ كَمَا تَصْنَعُ النَّصَارَى بِالْمَسِيحِ، وَيَدْعُوهُ وَيَسْتَغِيثُ بِهِ، وَيُوَالِي أَوْلِيَاءَهُ، وَيُعَادِي أَعْدَاءَهُ مَعَ إيجَابِهِ طَاعَتَهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَيُحَلِّلُهُ وَيُحَرِّمُهُ، وَيُقِيمُهُ مَقَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهَذَا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي يَدْخُلُ أَصْحَابُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥] .
فَالتَّوْحِيدُ وَالْإِشْرَاكُ يَكُونُ فِي أَقْوَالِ الْقَلْبِ، وَيَكُونُ فِي أَعْمَالِ الْقَلْبِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْجُنَيْدُ: التَّوْحِيدُ قَوْلُ الْقَلْبِ، وَالتَّوَكُّلُ عَمَلُ الْقَلْبِ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَرَنَهُ بِالتَّوَكُّلِ جَعَلَهُ أَصْلَهُ، وَإِذَا أَفْرَدَ لَفْظَ التَّوْحِيدِ فَهُوَ يَتَضَمَّنُ قَوْلَ الْقَلْبِ وَعَمَلَهُ، وَالتَّوَكُّلُ مِنْ تَمَامِ التَّوْحِيدِ.
وَهَذَا كَلَفْظِ " الْإِيمَانِ " فَإِنَّهُ إذَا أُفْرِدَ دَخَلَتْ فِيهِ الْأَعْمَالُ الْبَاطِنَةُ وَالظَّاهِرَةُ، وَقِيلَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، أَيْ قَوْلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ» .
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: ١٥] وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: ٢] {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الأنفال: ٣] {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٤]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute