للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْبَدُ إلَّا إيَّاهُ، وَأَنْ لَا يُسْأَلُ غَيْرُهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقْصِدُ سُؤَالَ اللَّهِ وَحْدَهُ وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ، لَكِنْ فِي أُمُورٍ لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ؛ بَلْ يَكْرَهُهَا وَيَنْهَى عَنْهَا، فَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُخْلِصًا لَهُ فِي سُؤَالِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَ هُوَ مُخْلِصًا فِي عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَهَذَا حَالُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ التَّوَجُّهَاتِ الْفَاسِدَةِ أَصْحَابِ الْكُشُوفَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّهُمْ يُعَانُونَ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ.

وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهَا لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُوَافِقَةً لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حَصَلَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ الْعَاجِلَةِ، وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُمْ عَاقِبَةً سَيِّئَةً، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: ٦٧] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس: ١٢] .

وَطَائِفَةٌ أُخْرَى قَدْ يَقْصِدُونَ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَكِنْ لَا يُحَقِّقُونَ التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ وَالِاسْتِعَانَةَ بِهِ.

فَهَؤُلَاءِ يُثَابُونَ عَلَى حُسْنِ نِيَّتِهِمْ، وَعَلَى طَاعَتِهِمْ، لَكِنَّهُمْ مَخْذُولُونَ فِيمَا يَقْصِدُونَهُ، إذْ لَمْ يُحَقِّقُوا الِاسْتِعَانَةَ بِاَللَّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا يُبْتَلَى الْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ بِالضَّعْفِ وَالْجَزَعِ تَارَةً، وَبِالْإِعْجَابِ أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُرَادُهُ مِنْ الْخَيْرِ كَانَ لِضَعْفِهِ، وَرُبَّمَا حَصَلَ لَهُ جَزَعٌ، فَإِنْ حَصَلَ مُرَادُهُ نَظَرَ إلَى نَفْسِهِ وَقُوَّتِهِ فَحَصَلَ لَهُ إعْجَابٌ، وَقَدْ يَعْجَبُ بِحَالِهِ فَيَظُنُّ حُصُولَ مُرَادِهِ فَيَخْذُلُ.

قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: ٢٥] إلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ٢٧] .

وَكَثِيرًا مَا يَقْرِنُ النَّاسَ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ، فَالرِّيَاءُ مِنْ بَابِ الْإِشْرَاكِ بِالْخَلْقِ، وَالْعُجْبُ مِنْ بَابِ الْإِشْرَاكِ بِالنَّفْسِ وَهَذَا حَالُ الْمُسْتَكْبِرِ، فَالْمُرَائِي لَا يُحَقِّقُ قَوْلَهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>