للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥] وَالْمُعْجَبُ لَا يُحَقِّقُ قَوْلَهُ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] فَمَنْ حَقَّقَ قَوْلَهُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥] خَرَجَ عَنْ الرِّيَاءِ وَمَنْ حَقَّقَ قَوْلَهُ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] خَرَجَ عَنْ الْإِعْجَابِ، وَفِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» .

وَشَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مَنْ لَا تَكُونُ عِبَادَتُهُ لِلَّهِ وَلَا اسْتِعَانَتُهُ بِاَللَّهِ بَلْ يَعْبُدُ غَيْرَهُ وَيَسْتَعِينُ غَيْرَهُ وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ.

وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَكُونُ شِرْكُهُ بِالشَّيَاطِينِ كَأَصْحَابِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ فَيَفْعَلُونَ مَا تُحِبُّهُ الشَّيَاطِينُ مِنْ الْكَذِبِ وَالْفُجُورِ وَيَدْعُونَهُ بِأَدْعِيَةٍ تُحِبُّهَا الشَّيَاطِينُ وَيَعْزِمُونَ بِالْعَزَائِمِ الَّتِي تُطِيعُهَا الشَّيَاطِينُ مِمَّا فِيهَا إشْرَاكٌ بِاَللَّهِ.

كَمَا قَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهِمْ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ.

وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ الْخَوَارِقِ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ.

وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَحْوَالِ السَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَحْوَالِ الْإِيمَانِيَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: فَهُمْ أَهْلُ التَّوْحِيدِ الَّذِينَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَلَمْ يَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وَلَمْ يَتَوَكَّلُوا إلَّا عَلَيْهِ.

وَقَوْلُ الْمَكْرُوبِ: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ} [الأنبياء: ٨٧] قَدْ يَسْتَحْضِرُ فِي ذَلِكَ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَمَنْ أَتَمَّ اللَّهُ عَلَيْهِ النِّعْمَةَ اسْتَحْضَرَ التَّوْحِيدَ فِي النَّوْعَيْنِ.

فَإِنَّ الْمَكْرُوبَ هِمَّتُهُ مُنْصَرِفَةٌ إلَى دَفْعِ ضُرِّهِ وَجَلْبِ نَفْعِهِ، فَقَدْ يَقُولُ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " مُسْتَشْعِرًا أَنَّهُ لَا يَكْشِفُ الضُّرَّ غَيْرُك، وَلَا يَأْتِي بِالنِّعْمَةِ إلَّا أَنْتَ فَهَذَا مُسْتَحْضِرٌ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَمُسْتَحْضِرٌ تَوْحِيدَ السُّؤَالِ وَالطَّلَبِ، وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ، مُعْرِضٌ عَنْ تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ وَيَأْمُرُ بِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَعْبُدَ إلَّا إيَّاهُ وَلَا يَعْبُدَهُ إلَّا بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ فَمَنْ اسْتَشْعَرَ هَذَا فِي قَوْلِهِ: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ} [الأنبياء: ٨٧] كَانَ عَابِدًا لِلَّهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ وَكَانَ مُمْتَثِلًا قَوْلَهُ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: ١٢٣] وَقَوْلَهُ: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: ٨٨] وَقَوْلَهُ: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} [المزمل: ٨] {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} [المزمل: ٩] .

<<  <  ج: ص:  >  >>