للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يُذْكَرُ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّات: " أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِدَاوُدَ: أَمَّا الذَّنْبُ فَقَدْ غَفَرْنَاهُ؛ وَأَمَّا الْوُدُّ فَلَا يَعُودُ " فَهَذَا لَوْ عُرِفَتْ صِحَّتُهُ لَمْ يَكُنْ شَرْعًا لَنَا وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَبْنِيَ دِينَنَا عَلَى هَذَا؛ فَإِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّوْبَةِ جَاءَ بِمَا لَمْ يَجِئْ بِهِ شَرْعُ مَنْ قَبْلَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: «أَنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ؛ وَأَنَا نَبِيُّ التَّوْبَةِ» وَقَدْ رَفَعَ بِهِ مِنْ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ مَا كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢] وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَعَالَى يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ التَّائِبِ أَعْظَمَ مِنْ فَرَحِ الْفَاقِدِ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْمَوْكِبِ إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْيَأْسِ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فَرَحَ الرَّبِّ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ وَتِلْكَ مَحَبَّتَهُ؛ كَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَعُودُ لِمَوَدَّتِهِ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج: ١٤] {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: ١٥] {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: ١٦] . وَلَكِنَّ وُدَّهُ وَحُبَّهُ بِحَسَبِ مَا يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ الْعَبْدُ بَعْدَ التَّوْبَةِ؛ فَإِنْ كَانَ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ مَحْبُوبَاتِ الْحَقِّ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ مِمَّا كَانَ يَأْتِي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَتْ مَوَدَّتُهُ لَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَعْظَمَ مِنْ مَوَدَّتِهِ لَهُ قَبْلَ التَّوْبَةِ؛ وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ كَانَ الْأَمْرُ أَنْقَصَ؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ وَمَا رَبُّك بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ؛ وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا: فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي؛ وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ؛ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ» .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَفْضَلَ الْأَوْلِيَاءِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ هُمْ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ وَكَانَتْ مَحَبَّةُ الرَّبِّ لَهُمْ وَمَوَدَّتُهُ لَهُمْ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ أَعْظَمَ مَحَبَّةً وَمَوَدَّةً، وَكُلَّمَا تَقَرَّبُوا إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَحَبَّهُمْ وَوَدَّهُمْ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>