للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: ٧] . نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَادَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِثْلَ أَهْلِ الْأَحْزَابِ " كَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ، وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ. وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ مُعَادَاتِهِمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّسُلِ وَالْمُؤْمِنِينَ مَوَدَّةً، وَكَانُوا فِي ذَلِكَ مُتَفَاضِلِينَ وَكَانَ عِكْرِمَةُ وَسُهَيْلٌ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ أَعْظَمَ مَوَدَّةً مِنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: «أَنَّ هِنْدَ امْرَأَةَ أَبِي سُفْيَانَ أُمَّ مُعَاوِيَةَ قَالَتْ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُذَلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِك، وَقَدْ أَصْبَحْتُ وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعَزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِك فَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا نَحْوَ ذَلِكَ» .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْمَوَدَّةَ الَّتِي بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا تَكُونُ تَابِعَةً لِحُبِّهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ. فَالْحُبُّ لِلَّهِ مِنْ كَمَالِ التَّوْحِيدِ؛ وَالْحُبُّ مَعَ اللَّهِ شِرْكٌ. قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥] فَتِلْكَ الْمَوَدَّةُ الَّتِي صَارَتْ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادُوهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّمَا كَانَتْ مَوَدَّةً لِلَّهِ وَمَحَبَّةً لِلَّهِ وَمَنْ أَحَبَّ اللَّهَ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ وَدَّ اللَّهَ وَدَّهُ اللَّهُ، فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَحَبَّهُمْ وَوَدَّهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ، كَمَا أَحَبُّوهُ وَوَدُّوهُ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ التَّائِبَ إنَّمَا تَحْصُلُ لَهُ الْمَغْفِرَةُ دُونَ الْمَوَدَّةِ؟ ،.

وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أُولَئِكَ كَانُوا كُفَّارًا، لَمْ يَعْرِفُوا أَنَّ مَا فَعَلُوهُ مُحَرَّمٌ؛ بَلْ كَانُوا جُهَّالًا بِخِلَافِ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ وَأَتَاهُ.

قِيلَ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْكُفَّارِ يَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُعَادُونَهُ حَسَدَا وَكِبْرًا وَأَبُو سُفْيَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَخْبَارِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَسْمَعْ غَيْرُهُ، كَمَا سَمِعَ مِنْ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، وَمَا سَمِعَهُ مِنْ هِرَقْلَ مَلِكِ الرُّومِ، وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>