بِهِ لَا بِغَيْرِهِ، فَيَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ، وَحَلَاوَةِ الْإِيمَانِ وَذَوْقِ طَعْمِهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الشِّرْكِ مَا هُوَ أَعْظَمُ نِعْمَةً عَلَيْهِمْ مِنْ زَوَالِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ، أَوْ الْجَدْبِ، أَوْ حُصُولِ الْيُسْرِ وَزَوَالِ الْعُسْرِ فِي الْمَعِيشَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لِذَاتٍ بَدَنِيَّةٍ وَنِعَمٍ دُنْيَوِيَّةٍ قَدْ يَحْصُلُ لِلْكَافِرِ مِنْهَا أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ.
وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ الدِّينَ فَأَعْظَمُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ كُنْهِهِ مَقَامٌ، أَوْ يَسْتَحْضِرَ تَفْصِيلَهُ بَالٌ، وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبٌ بِقَدْرِ إيمَانِهِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: يَا بْنَ آدَمَ، لَقَدْ بُورِكَ لَك فِي حَاجَةٍ أَكْثَرْت فِيهَا مِنْ قَرْعِ بَابِ سَيِّدِك. وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّهُ لَيَكُونَ لِي إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ فَأَدْعُوهُ فَيُفْتَحُ لِي مِنْ لَذِيذِ مَعْرِفَتِهِ وَحَلَاوَةِ مُنَاجَاتِهِ مَا لَا أُحِبُّ مَعَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَضَاءَ حَاجَتِي خَشْيَةَ أَنْ تَنْصَرِفَ نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُرِيدُ إلَّا حَظَّهَا فَإِذَا قَضَى انْصَرَفَتْ. وَفِي بَعْضِ الْإِسْرَائِيلِيَّات يَا بْنَ آدَمَ، الْبَلَاءُ يَجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَك وَالْعَافِيَةُ تَجْمَعُ بَيْنَك وَبَيْنَ نَفْسِك.
وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ، وَهُوَ مَوْجُودٌ مَذُوقٌ مَحْسُوسٌ بِالْحِسِّ الْبَاطِنِ لِلْمُؤْمِنِ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا وَقَدْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَعْرِفُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الذَّوْقِ وَالْحِسِّ لَا يَعْرِفُ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ ذَوْقٌ وَحِسٌّ بِذَلِكَ.
وَلَفْظُ " الذَّوْقِ " وَإِنْ كَانَ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مُخْتَصٌّ بِذَوْقِ اللِّسَانِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِحْسَاسِ بِالْمُلَائِمِ وَالْمُنَافِرِ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ " الْإِحْسَاسِ " فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ عَامٌّ فِيمَا يُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، بَلْ وَبِالْبَاطِنِ. وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَأَصْلُهُ " الرُّؤْيَةُ " كَمَا قَالَ: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم: ٩٨] .
وَالْمَقْصُودُ لَفْظُ " الذَّوْقِ " قَالَ تَعَالَى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: ١١٢] فَجَعَلَ الْخَوْفَ وَالْجُوعَ مَذُوقًا؛ وَأَضَافَ إلَيْهِمَا اللِّبَاسَ لِيَشْعُرَ أَنَّهُ لُبْسُ الْجَائِعِ وَالْخَائِفِ فَشَمَلَهُ وَأَحَاطَ بِهِ إحَاطَةَ اللِّبَاسِ بِاللَّابِسِ؛ بِخِلَافِ مَنْ كَانَ الْأَلَمُ لَا يَسْتَوْعِبُ مَشَاعِرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute